طباعة
المجموعة: فقه النظام الاقتصادي

التدليس في البيع من الطرق المحرمة لتنمية الملك، فيجب أن يكون معلوما من الإسلام بالضرورة أن الشرع الإسلامي جعل تنمية الملك مقيدة في حدود لا يجوز تعدّيها. ومنها التدليس. فالأصل في عقد البيع اللزوم، فمتى تم العقد بالإيجاب والقبول بين البائع والمشتري وانتهى مجلس البيع فقد لزم عقد البيع ووجب نفاذه على المتبايعيْن.

إلاّ أنه لَمّا كان عقد المعاملة يجب أن يتم على وجه يرفع المنازعات بين الناس، فقد حرَّم الشرع على الناس التدليس في البيع، وجعله إثماً سواء حصل التدليس من البائع أو المشتري في السلعة أو العملة، فكله حرام. لأن التدليس قد يحصل من البائع وقد يحصل من المشتري.

ومعنى تدليس البائع السلعة هو أن يكتم العيب عن المشتري مع علمه به، أو يغطي العيب عنه بما يوهم المشتري عدمه، أو يغطي السلعة بما يُظهرها كلها حسنة. ومعنى تدليس المشتري الثمن هو أن يزيف العملة أو يكتم ما فيها من زيف مع علمه به. وقد يختلف الثمن باختلاف المبيع لأجل التدليس، وقد يرغب المشتري بالسلعة بسبب التدليس.

حرمة التدليس بجميع أنواعه

فهذا التدليس بجميع أنواعه حرام، لما روى البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لا تُصَرّوا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد فإنه بخير النظرين بعد أن يحتلبها، إن شاء أمسك وإن شاء ردّها وصاع تمر)، ولِما روى ابن ماجة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (من ابتاع مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام، فإن ردّها ردّ معها صاعا من تمر لا سمراء )، والمراد ردّ ثمن لبنها الذي حلبه. ولِما روى البزار عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:(أنه نهى عن بيع المحفلات). فهذه الأحاديث صريحة في النهي عن تصرية الإبل والغنم، وفي النهي عن بيع المحفلات، وهي التي لم تُحلَب حتى يظهر ضرعها كبيراً أو يُتوهم أنها حلوب، وأن ذلك خديعة وأن ذلك حرام.

ومثل ذلك كل عمل يغطي العيب أو يكتم العيب، فإن ذلك كله تدليس يحرم فعله، سواء أكان ذلك في السلعة أم العملة لأنه غبن. ولا يجوز للمسلم أن يغش في السلعة أو العملة بل يجب عليه أن يبين ما في السلعة من عيب، وعليه أن يوضح ما في العملة من زيف، وأن لا يغش السلعة من أجل أن تروَّج أو تباع بثمن أغلى، ولا يغش العملة من أجل أن تُقبل ثمناً للسلعة، لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن ذلك نهياً جازماً، فقد رُوى ابن ماجة عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (المسلم أخو المسلم، ولا يحل لمسلم باع من أخيه بيعاً فيه عيب إلا بينه له )، وروى البخاري عن حكيم بن حزام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (البَيِّعان بالخَيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا مُحقت بركة بيعهما)، وقال عليه الصلاة والسلام: (ليس منا من غشّ). رواه ابن ماجة وأبو داوود من طريق أبي هريرة.

حيازة الشيء بالتدليس والغش ليست ملكا

ومن حاز شيئاً بالتدليس والغش لا يملكه لأنه ليس من وسائل التملك، بل من الوسائل المنهي عنها، وهو مال حرام ومال سحت، قال عليه الصلاة والسلام: (لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت، النار أولى به). رواه أحمد من طريق جابر بن عبد الله.

للمدلّس عليه الخيار

وإذا حصل التدليس سواء أكان بالسلعة أو بالعملة صار للمدلَّس عليه الخَيار، إما أن يفسخ العقد أو يمضيه، وليس له غير ذلك. فإذا أراد المشتري إمساك السلعة المعيبة أو المدلَّسة وأخْذ الأرش أي الفرق بين ثمنها من غير عيب وثمنها بالعيب فليس له ذلك، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يجعل له أرشاً وإنما خيّره في شيئين (إن شاء أمسك وإن شاء ردّها).رواه البخاري عن أبي هريرة.

ولا يُشترط أن يكون البائع عالماً بالتدليس أو العيب حتى يثبُت الخَيار بل يثبُت الخَيار للمدلَّس عليه بمجرد حصول التدليس، سواء أكان البائع عالماً أم غير عالم، لأن الأحاديث عامة ولأن واقع البيع يكون قد حصل على ما نهي عنه، وهذا بخلاف الغُبن فإنه يُشترط فيه العلم بالغبن لأنه إن لم يكن عالماً لم يكن الواقع أنه غابن حتى يكون هناك حق للمغبون، كأن ينزل سعر السوق ويكون البائع غير عالم بذلك فيبيع ثم يتبين أنه باع بأكثر مما يساوي، فإنه لا يعتبر غبناً ولا يخيَّر فيه المشتري، لأن البائع وهو غير عالم بنزول السعر لا يَصدُق عليه أنه غابن.