طباعة
المجموعة: فقه النظام الاقتصادي

كما يجب أن يكون معلوما من الإسلام بالضرورة أن الشرع الإسلامي جعل تنمية الملك مقيدة في حدود لا يجوز تعدّيها. فمنع الفرد من تنمية الملك بطرق معينة ومنها الغبن الفاحش.

الغبن في اللغة الخداع، يقال: غبنه غبناً في البيع والشراء خَدَعَه وغَلَبَه، وغَبَن فلاناً نَقَصَه في الثمن وغيّره، فهو غابِن وذاك مغبون. والغُبن هو بيع الشيء بأكثر مما يساوي أو بأقل مما يساوي. والغبن الفاحش حرام شرعاً لأنه ثبت في الحديث الصحيح طلب ترك الغبن طلباً جازماً.

فقد رُوى البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أنه يُخدَع في البيوع، فقال: (إذا بايعت فقل لا خِلابة)، والخِلابة –بكسر الخاء- الخديعة، وروى أحمد عن أنس (أن رجلاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبتاع وكان في عقدته يعني عقله ضعف فأتى أهله النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا نبي الله احجر على فلان فإنه يبتاع وفي عقدته ضعف. فدعاه نبي الله صلى الله عليه وسلم فنهاه عن البيع، فقال: يا نبي الله إني لا أصبر عن البيع. فقال صلى الله عليه وسلم: إن كنت غير تارك البيع فقُل: ها وها ولا خِلابة)، وروى البزار عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع المحفلات، والمحفلة هي المصراة لا يحلبها صاحبها أياما أو نحو ذلك ليجتمع اللبن في ضرعها فيغتر بها المشتري وهذا ضرب من الخديعة والغرر، وقد ذكر الترمذي تفسيرها في هذا الباب قال أبو عبيد : سميت بذلك ؛ لأن اللبن يكثر في ضرعها وكل شيء كثرته فقد حفلته . تقول : ضرع حافل أي : عظيم ، واحتفل القوم إذا كثر جمعهم ومنه سمي المحفل .

المغبون بين الغبن الفاحش والمهارة في المساومة

فهذه الأحاديث قد طُلب فيها ترك الخلابة أي الخديعة والخديعة حرام ومن هنا كان الغبن حراما، إلاّ أن الغبن الحرام هو الغبن الفاحش لأن علة تحريم الغبن هو كونه خديعة في الثمن، ولا يسمى خديعة إذا كان يسيراً، لأنه يكون مهارة في المساومة، وإنما يكون الغبن خديعة إذا كان فاحشاً.

فإذا ثبت الغبن فإن للمغبون الخَيار إن شاء فسخ البيع وإن شاء أمضاه، أي إذا ظهرت خديعة في البيع جاز للمخدوع أن يرد الثمن، ويأخذ السلعة إذا كان بائعاً، وأن يرد المبيع ويأخذ الثمن إذا كان مشترياً، وليس له أخذ الأَرَش، أي ليس له أن يأخذ الفرق بين ثمن السلعة الحقيقي وبين الثمن الذي بيعت به، لأن الرسول جعل له الخَيار بين أن يفسخ البيع أو يمضيه فقط ولم يجعل له غير ذلك، روى الدارقطني عن محمد بن محمد بن يحيي بن حبان قال:قال عليه الصلاة والسلام: (إذا بعت فقُل: لا خلابة، ثم أنت في كل سلعة تبتاعها بالخيار ثلاث ليال فإذا رضيت فأمسِك وإن سخطتَ فارددها على صاحبها)!

وهذا يدل على أن المغبون يثبت له الخَيار، إلاّ أن هذا الخَيار يثبت بشرطين:

  1. أحدهما عدم العلم وقت العقد،
  2. والثاني الزيادة أو النقصان الفاحش الذي لا يتغابن الناس بمثلهما وقت العقد.

تقدير الغبن الفاحش

والغبن الفاحش هو ما اصطَلح التجار على كونه غبناً فاحشاً. ولا يقدّر ذلك بثلث ولا ربع بل يُترك لاصطلاح التجار في البلد وقت إجراء العقد، لأن ذلك يختلف باختلاف السلع والأسواق.