جعل الشرع الإسلامي تنمية الملك مقيدة في حدود لا يجوز تعدّيها. فمنع الفرد من تنمية الملك بطرق معينة ومنها الربا. فمنع الشرع الربا منعاً باتاً مهما كانت نسبته سواء أكانت كثيرة أم قليلة. ومال الربا حرام قطعاً، ولا حق لأحد في ملكيته، ويُرَد لأهله إن كانوا معروفين، قال الله تعالى: {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلاّ كما يقوم الذي يتخبّطه الشيطان من المَسّ ذلك بأنهم قالوا إنّما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرّم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}، وقال: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلمون}.

 والوصف الواقع للربا هو أن هذه الفائدة التي يأخذها المرابي هي استغلال لجهد الناس وهي جزاء من غير بذل جهد. ولأن المال الذي يؤخذ عليه ربا هو مضمون الفائدة غير معرض للخسارة، وهذا يخالف قاعدة "الغُرْم بالغُنْم"، ولذلك كان استغلال المال بالشركة والمضاربة والمساقاة بشروطها جائزاً لأنه تنتفع به الجماعة ولا يَستغل جهد آخرين، بل يكون وسيلة تمكّنهم من الانتفاع بجهد أنفسهم وهو معرض للخسارة كما هو معرَّض للربح، وهذا بخلاف الربا. على أن تحريم الربا إنّما كان بالنص ولم يعلَّل هذا النص بعلّة، وقد جاءت السنّة مبيّنة الأموال الربوية.

سؤال

غير أنه قد يتبادر للذهن أن صاحب المال محتفظ بماله وقد لا يسخو بإقراض المحتاج لقضاء حاجته، وهذه الحاجة تُلِح على صاحبها، فلا بد من وسيلة لسد هذه الحاجة. على أن الحاجة اليوم تعددت وتنوعت وصار الربا قَوام التجارة والزراعة والصناعة، ولذلك وُجدت المصارف (البنوك) للتعامل بالربا، ولا وسيلة غيرها، كما لا وسيلة بغير المرابين لسد الحاجات.

الجواب

والجواب على ذلك أننا نتحدث عن المجتمع الذي يطبَّق فيه الإسلام جميعه ومنه الناحية الاقتصادية، لا عن المجتمع بوضعه الحاضر، لأن هذا المجتمع بوضعه الحاضر يعيش على النظام الرأسمالي، ولذلك برز فيه كون المصرف (البنك) من ضروريات الحياة. فصاحب المال الذي يرى نفسه حراً في ملكه، والذي يرى أن له حرية الاستغلال بالغش والاحتكار والقمار والربا وغير ذلك دون رقابة من دولة أو تقيُّد بقانون، لا شك في أن مثل هذا يرى أن الربا والمصرف ضرورة من ضروريات الحياة.

ولذلك وجب أن يغيَّر النظام الاقتصادي الحالي برمّته وأن يوضع مكانه –وضعاً انقلابياً شاملاً- النظام الإسلامي للاقتصاد. فإذا أزيل هذا النظام وطُبق النظام الإسلامي برز للناس أن المجتمع الذي يطبِّق الإسلام لا تظهر فيه الضرورة إلى الربا،

  1. لأن المحتاج إلى الاستقراض إما أن يحتاجه لأجل العيش، وهذه  سدّها الإسلام بضمان العيش لكل فرد من أفراد الرعية.
  2. أو يحتاجه لأجل العمل لكفاية نفسه كالزراعة. وهذه سدّها الإسلام بندب إقراض المحتاج دون ربا،فقد روى ابن حبان وابن ماجة عن ابن مسعود أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {ما من مسلم يُقرِض مسلماً قرضاً مرتين إلاّ كان كصدقتها مرّة}. فإقراض المحتاج مندوب،
  3. ولا يُكره الاستقراض بل يُندَب أيضاً، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يستقرِض.
  4. وما دام الاستقراض موجوداً وهو مندوب للمقرِض والمستقرِض فقد برز للناس أن الربا ضرر من أشد الأضرار على الحياة الاقتصادية، بل برز للعيان أن الضرورة تقضي باستبعاد الربا وإيجاد الحوائل الكثيفة بينه وبين المجتمع بالتشريع والتوجيه وفق نظام الإسلام.

وإذا عَدِم الربا لم تبق حاجة للمصارف (البنوك) الموجودة الآن. ويبقى بيت المال وحده يقوم بإقراض المال بلا فائدة، بعد التحقق من إمكانية الانتفاع بالمال.

وقد أعطى عمر بن الخطاب من بيت المال للفلاحين في العراق أموالاً لاستغلال أرضهم. والحكم الشرعي أن يعطى الفلاحون من بيت المال ما يتمكنون به من استغلال أراضيهم إلى أن تخرج الغِلال. وعن الإمام أبي يوسف "ويعطى للعاجز كفايته من بيت المال قرضاً ليعمل فيها" أي الأرض.

وكما يُقرِض بيت المال الفلاحين للزراعة يُقرِض من هم مثلهم ممن يقومون بالأعمال الفردية التي يحتاجون إليها لكفاية أنفسهم. وإنما أعطى عمر الفلاحين لأنهم في حاجة لكفاية أنفسهم في العيش فأُعطوا لهذه الكفاية، ولذلك لا يعطى الفلاحون الأغنياء من بيت المال شيئاً لزيادة إنتاجهم. ويقاس على الفلاحين من هم مثلهم فيما هم في حاجة إليه لكفاية أنفسهم في العيش، فقد أعطى الرسول رجلاً حبلاً وفأساً ليحتطب من أجل أن يأكل.

على أن ترك الربا لا يتوقف على وجود المجتمع الإسلامي أو وجود دولة الخلافة أو وجود من يُقرِض المال، بل الربا حرام ويجب تركه سواء أوُجدت دولة إسلامية أم لم توجَد، ووُجد مجتمع إسلامي أم لم يوجد، ووُجد من يُقرِض المال أم لم يوجد.

 

 الإقتصاد في دستور دولة الخلافة على منهاج النبوة

 إن وجدت خيرا فانشره، فالدال على الخير كفاعله، دولة الخلافة، - نصر نت - nusr.net