لا يجوز لمالك الأرض أن يؤجر أرضه للزراعة مطلقاً سواء أكان مالكاً لرقبتها ومنفعتها معاً أم مالكاً لمنفعتها فقط، أي سواء أكانت الأرض عشرية أم خَراجية، وسواء أكان الأجر نقوداً أم غيرها، كما أنه لا يجوز أن يؤجر الأرض للزراعة بشيء مما تنبته من الطعام أو غيره، ولا بشيء مما يخرج منها مطلقاً، لأنه كله إجارة، وإجارة الأرض للزراعة غير جائزة مطلقاً.

فقد جاء في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه فإنْ أبى فليُمسك أرضه}، وجاء في صحيح مسلم {نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤخذ للأرض أجراً وحظ}، وجاء في سنن النسائي {نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كِراء الأرض، قلنا: يا رسول الله إذَن نكريها بشيء من الحب. قال: لا. قال:وكنا نكريها بالتبن. فقال: لا. قال: و كنا نكريها بما على الربيع الساقي. قال: لا. ازرعها أو امنحها أخاك}، والربيع النهر الصغير أي الوادي، أي كنا نكريها على زراعة القِسم الذي على الربيع أي على جانب الماء. وصحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم {أنه نهى عن أن يؤخذ للأرض أجر أو حظ، وعن أن تُكرى بثلث أو بربع}، روى أبو داووا عن رافع بن خديج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {من كانت له أرض فليزرعها أو فليُزرعها أخاه ولا يكاريها بثلث ولا بربع ولا بطعام مسمى}، وروى البخاري عن نافع أن عبد الله بن عمر حدث عن رافع بت خديج:{أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء الأرض} فذهب ابن عمر إلى رافع فذهبت معه نسأله فقال: {نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كراء المزارع} وروى البخاري عن سالم أن عبد الله  ابن عمر ترك كراء الأرض.

فهذه الأحاديث صريحة في نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن تأجير الأرض. والنهي وإن كان يدل على مجرد طلب الترك غير أن القرينة هنا تدل على أن الطلب للجزم، فقد قالوا للرسول: نكريها بشيء من الحب، قال: لا. ثم قالوا له: نكريها بالتبن، فقال: لا. ثم قالوا: كنا نكريها على الربيع، فقال: لا. ثم أكد ذلك بقوله: {ازرعها أو امنحها أخاك}. وهذا واضح فيه الإصرار على النهي وهو للتأكيد. علاوة على أن التوكيد في العربية إما لفظياً بتكرار اللفظ وإما معنوياً، وهنا قد تكرر لفظ النهي فدل على التأكيد.

وأمّا تأجير الرسول لأرض خيبر على النصف فليس من هذا الباب، لأن أرض خيبر كانت شجراً وليست أرضاً ملساء، بدليل ما رُوى ابن اسحاق في السيرة  عن عبد الله بن أبي بكر {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث إلى أهل خيبر عبد الله بن رواحة خارصاً بين المسلمين ويهود فيخرص عليهم}، ثم أصيب عبد الله بن رواحة بمؤتة يرحمه الله فكان جبار بن صخر بن أمية بن خنساء أخو بني سلمة هو الذي يخرص عليهم بعد عبد الله بن رواحة، والخارص هو الذي يقدّر الثمر وهو على أصوله قبل أن يجدّ. فهذا صريح بأن أرض خيبر شجر وليست أرضاً ملساء. وأمّا ما فيها من زرع فهو أقل من مساحة الشجر فيكون تابعاً له. وعليه فليست أرض خيبر من باب تأجير الأرض، بل هي من باب المساقاة، والمساقاة جائزة. وفوق ذلك فإنه بعد نهي الرسول صلى الله عليه وسلم امتنع الصحابة عن تأجير الأرض ومنهم عبد الله بن عمر، فدل على أنهم فهموا تحريم إجارة الأرض.

غير أن تحريم إجارة الأرض إنّما هو إذا كانت إجارتها للزراعة، أمّا إن كانت إجارتها لغير الزراعة فيجوز، إذ يجوز أن يستأجر المرء الأرض لتكون مراحاً أو مقيلاً أو مخزناً لبضاعته أو للانتفاع بها بشيء معين غير الزراعة، لأن النهي عن تأجير الأرض مُنصَبّ على تأجيرها للزراعة كما يؤخذ من الأحاديث الصحيحة. فهذه الأحكام للأراضي وما يتعلق بها تُبين الكيفية التي قيّد بها الشارع المسلم حين يعمل لتنمية ملكيته عن طريق الزراعة.

 

 الإقتصاد في دستور دولة الخلافة على منهاج النبوة

 إن وجدت خيرا فانشره، فالدال على الخير كفاعله، دولة الخلافة، - نصر نت - nusr.net