مَوات الأرض: هي الأرض التي لم يظهر عليها أنه جرى عليها ملك أحد فردا كان أو دولة فلم يظهر فيها تأثير شيء من إحاطة أو زرع أو عمارة أو نحو ذلك، وإحياؤها هو إعمارها؛ أي جعلها صالحة للزراعة في الحال.

فكل أرض مَوات إذا أحياها إنسان أصبحت ملكاً له، فالشرع يملِّكها من يحييها لما روى البخاري عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {مَن أعمر أرضاً ليست لأحد فهو أحق}، وقد روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من أحاط حائطاً على أرض فهي له}، ورُوى البخاري عن عمر: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:{من أحيا أرضاً ميتة فهي له}، ويكون المسلم والذمي سواء لإطلاق الحديث.

الإحياء غير الإقطاع

والإحياء غير الإقطاع، والفرق بينهما هو أن الإحياء يتعلق بمَوات الأرض التي لم يظهر عليها أنه جرى عليها ملك أحد فردا كان أو دولة فلم يظهر فيها تأثير شيء من إحاطة أو زرع أو عمارة أو نحو ذلك، وإحياء هذه الأرض هو عمارتها بأي شيء يدل على العمارة، وأمّا الإقطاع فيكون في الأراضي التي تضع الدولة يدها عليها وهي التي تسمى (أراضي الدولة) وتشمل ما يلي:

  1. الأرض العامرة الصالحة للزرع والشجر مثل الأرض ا لتي أقطعها الرسول صلى الله عليه وسلم للزبير في خيبر وفي أرض بني النضير وكان فيها شجر ونخل ومثل الأراضي العامرة التي هرب أصحابها من البلاد المفتوحة.
  2. الأرض التي سبق أن زرعت ثم خربت مثل أرض البطائح والسباخ في العراق الواقعة بين الكوفة والبصرة، فقد روي عن محمد بن محمد الثقفي أنه قال: استقطع رجل من أهل البصرة يقال له نافع أبو عبد الله عمر بن الخطاب أرضا بالبصرة ليست من أرض الخراج ولا تضر بأحد من المسلمين ليتخذ منها قضبا لخيله (وفي رواية قصلا) فكتب عمر إلى أبي موسى الأشعري: إن كانت كما يقول فأقطعه إياها وأقطع عثمان بن عفان عثمان بن أبي العاص الثقفي أرضا بالبصرة كانت سبخا واجما فأستخرجها وأحياها.
  3. الأرض الموات التي لم يسبق أن زرعت أو عمرت أباد الدهر ووضعت الدولة يدها عليها لأنها من مرافق المدن والقرى مثل شواطئ البحار والأنهار منها.
  4. الأرض التي أهملها أصحابها بعد ثلاث سنين وأخذتها الدولة منهم مثل الأرض التي أقطعها الرسول صلى الله عليه وسلم لبلال المزني ثم استرجع عمر ما أهمله منها بعد ثلاث سنين وأقطعها لغيره من المسلمين أخرج أبو عبيد في الأموال عن بلال بن الحارث المزني{ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطعه العقيقة أجمع قال فلما كان زمن عمر قال لبلال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقطعك لتحجرها على النسا  إنما أقطعك لتعمل فخذ منها ما قدرت على عمارته ورد الباقي} وقد انعقد إجماع الصحابة على أن من عطل أرضه ثلاث سنين تؤخذ منه وتعطى لغيره.

  التحجير كالإحياء سواء بسواء   

أمّا تحجير الأرض فهو كالإحياء سواء بسواء، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: {من أحاط حائطاً على أرض فهي له}، وقوله: {من أحاط حائطاً على شيء فهو له}، وقوله: {من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به}، ولأن التحجير يملك به المحجِر التصرف بنص الحديث، وللمحجر منع من يروم إحياء ما حجره، فإن قهره غيره فأحيا الأرض التي حجرها قبل انتهاء ثلاث سنين من حين التحجير لم يملك ذلك ورُدت إلى المحجِر. وإن كان القهر بعد مضي ثلاث سنوات لم ترد على المحجر وتبقى لمن أحياها.ولأن التحجير مثل الإحياء في التصرف بالأرض ووضع اليد عليها، فإن باع المحجِر الأرض التي حجرها مَلَك ثمن بيعها لأنه حق مقابَل بمال، فتجوز المعاوضة عليه، ولو مات المحجِر، فإن ملكها ينتقل إلى ورثته كسائر الأملاك يتصرفون بها، وتُقسم عليهم حسب الفريضة الشرعية كما تُقسم سائر الأموال، وليس المراد من التحجير وضع أحجار عليها، بل المراد وضع ما يدل على أنه وضع يده عليها –أي ملكها-، فيكون التحجير بوضع أحجار على حدودها، ويكون التحجير بغير الحجر بأن غرز حولها أغصاناً يابسة، أو نقى الأرض وأحرق ما فيها من شوك، أو خضد ما فيها من الحشيش أو الشوك وجعلها حولها ليمنع الناس من الدخول، أو حفر أنهاراً ولم يسقها أو ما شاكل ذلك، يكون كله تحجيراً.

والظاهر من الأحاديث أن التحجير كالإحياء إنّما يكون في الأرض الميتة ولا يكون في غيرها، فقول {عمر ليس لمتحجر حق بعد ثلاث سنين}  أي ليس لمحتجر في الأرض الميتة، أمّا الأرض غير الميتة فلا تملك بالتحجير ولا بالإحياء، بل تملك بإقطاع الإمام، لأن الإحياء والتحجير قد وردا بالأرض الميتة، فقال: {من أحيا أرضاً ميتة}، وميتة صفة يكون لها مفهوم معمول به فتكون قيداً،وأيضا روى البيهقي عن عمرو بن شعيب أن عمر جعل التحجير ثلاث سنين فإن تركها حتى تمضي ثلاث سنين فأحياها غيره فهو أحق بها. ومعنى ذلك أن غير الميتة من الأراضي لا تملك بالتحجير أو الإحياء.

دلالة وتبعات التفريق بين الأرض الميتة وغير الميتة

وهذا التفريق بين الأرض الميتة وغير الميتة يدل على أن الرسول أباح للناس أن يملكوا الأرض الميتة بالإحياء والتحجير، فأصبحت من المباحات، ولذلك لا تحتاج إلى إذن الإمام بالإحياء أو التحجير لأن المباحات لا تحتاج إلى إذن الإمام. أمّا الأراضي غير الميتة فلا تملك إلاّ إذا أقطعها الإمام، لأنها ليست من المباحات، وإنما هي مما يضع الإمام يده عليه، وهو ما يسمى بأراضي الدولة، ويدل على ذلك أن بلالاً المزني استقطع رسول الله أرضاً فلم يملكها حتى أقطعه إياها، فلو كانت تُملك بالإحياء أو التحجير لأحاطها بعلامة تدل على تملكه إياها، ولكان مَلَكها دون أن يطلب إقطاعه إياها.

ومن أحيا أرضا ميتة في أرض العشر ملك رقبتها ومنفعتها مسلما كان أو كافرا ويجب على المسلم فيها العشر زكاة على الزروع والثمار التي تجب فيها الزكاة إذا بلغت نصابا وأما الكافر فيجب عليه الخراج وليس العشر لأنه ليس من أهل الزكاة ولأن الأرض لا يصح أن تخلو من وظيفة عشر أو خراج.

ومن أحيا أرضا ميتة في ارض الخراج لم يسبق أن ضرب الخراج عليها ملك رقبتها ومنفعتها إن كان مسلما، ومنفعتها فقط إن كان كافرا ، ويجب على المسلم فيها العشر ولا خراج عليه، ويجب على الكافر فيها الخراج كما وضع على أهلها الكفار حين أقروا عليها عند الفتح مقابل خرجا يؤدونها عنها.

ومن أحيا أرضا ميتة في أرض الخراج سبق أن وضع عليها الخراج، قبل أن تتحول إلى ارض ميتة ملك منفعتها فقط دون رقبتها مسلما كان أو كافرا ووجب عليه في الخراج لأنها منطبق عليها أنها أرض مفتوحة ضرب عليها الخراج لذلك يجب أن يبقى الخراج عليها ملكها مسلم أو كافر إلى ابد الدهر.

هذا إذا كان الإحياء للزرع، وأما إذا للسكنى أو لإقامة مصانع أو مخازن أو حظائر،فإنه لا عشر فيها ولا خراج لا فرق في ذلك بين ارض العشر وأرض الخراج فإن الصاحبة ال1ين فتحوا العراق ومصر قد اختطوا الكوفة والبصرة والفسطاط ونزلوها أيام عمر بن الخطاب ونزل معهم غيرهم ولم يضرب عليهم الخراج ولم يدفعوا زكاة عنها لأن الزكاة لا تجب على المساكن والمباني

 

 الإقتصاد في دستور دولة الخلافة على منهاج النبوة

 إن وجدت خيرا فانشره، فالدال على الخير كفاعله، دولة الخلافة، - نصر نت - nusr.net