إن الإجارة تشمل الإجارة على الأعيان ، والإجارة على عمل الأشخاص. فالإجارة على الأشخاص هي العقد الأساس الذي أنبثق منه عقد العمل وأحكامه التي تنظم العلاقة بين الأجير، والمستأجر، بل إن جميع الموظفين والمستخدمين في الدولة أو في الشركات وغيرها، هم أجراء في نظر ا لشرع، وتطبق عليهم قواعد الإجارة وضوابطها، وأحكامها.

 من هو الأجير:

والأجير في الشرع الإسلامي هو كل إنسان يشتغل بأجرة سواء أكان المستأجر فرداً أم جماعة أم دولة. فالأجير يشمل العامل في أي نوع من أنواع العمل بلا فرق في الحكم الشرعي بين أجير الدولة وأجير غيرها. فموظف الدولة وموظف الجماعة وموظف الفرد كل منهم عامل وتجري عليهم أحكام العمل، أي كل منهم أجير وتجري عليهم أحكام الإجارة. فالفلاح أجير، والخادم أجير، وعمال المصانع أجراء،  وكتّاب التجار أجراء، وموظفو الدولة أجراء، وكل منهم عامل لأن عقد الإجارة إما أن يَرِد على منافع الأعيان وإما أن يَرِد على منفعة العمل وإما أن يَرِد على منفعة الشخص، فإن ورد على منافع الأعيان لم يدخل فيه بحث الأجير إذ لا علاقة له به، وإن ورد على منفعة العمل كاستئجار أرباب الحرف والصنائع لأعمال معينة أو ورد على منفعة الشخص كاستئجار الخَدَمة  والعمال فهذا هو الذي يتعلق بالأجير أو هذا هو الذي ينطبق عليه أنه الأجير.

  • شروط انعقاد الإجارة

الإجارة عقد على المنفعة بعِوَض، ويُشترط لانعقاد الإجارة:

  1. أهلية العاقديْن بأن يكون كل منهما مميِّزاً،
  2. ويُشترط لصحتها رضا العاقديْن،
  3. ويُشترط أن تكون الأجرة معلومة لقوله صلى الله عليه وسلم: {إذا استأجر أحدكم أجيرا فليعلمه أجره}. رواه الدارقطني عن ابن مسعود، ولما روى أحمد عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن استئجار الأجير حتى يتبين له أجره.

إلاّ أنه إذا لم تكن الأجرة معلومة انعقدت الإجارة وصحّت ويُرجَع عند الاختلاف في مقدارها إلى أجر المثل. فإذا لم يُسمّ الأجر عند عقد الإجارة أو اختلف الأجير والمستأجر في الأجر المسمى فإنه يُرجَع إلى أجر المثل.

وإنما رُجع إلى أجر المثل قياساً على المهر فإنه يُرجَع فيه عند عدم التسمية أو الاختلاف على المسمى إلى مهر المثل، وذلك لما روى النسائي والترمذي وقال حسن صحيح { عن ابن مسعود أنه سئل عن رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقا ولم يدخل بها حتى مات  فقال ابن مسعود لها: مثل صداق نسائها لا وكس ولا شطط وعليها العدة ولها الميراث، فقام معقل بن سنان الأشجعي، فقال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق إمرأة منا  مثل الذي قضيت ففرح بها ابن مسعود}، ومعنى قوله: {لها صداق نسائها}، أي مهر مثل نسائها. فأوجب الشارع مهر المثل لمن لم يسمَّ لها مهر. ومثل ذلك إذا اختُلف في المهر المسمى. ولماّ كان المهر عِوَضاً لازما يترتب على عقد النكاح فإنه يقاس عليه كل عِوَض لازم يترتب على عقد،بغض النظر عن مقابل هذا العوض أكان مالا كالبيغ أم منفعة أم جهدا كالإجارة أم نحلة كما في عقد النكاح وعليه، فإنه يُحكم فيه بعِوَض المثل في حالة عدم تسمية العِوَض في العقد أو الاختلاف على العِوَض المسمى. ولذلك يُحكم بأجر المثل في الإجارة وبثمن المثل في البيع عند عدم التسمية عند العقد وعند الاختلاف في المسمى.

وعلى هذا يُحكم بأجر المثل عند اختلاف الأجير والمستأجِر على الأجر المسمى وعند عدم تسمية الأجر عند العقد. فإذا عُرفت الأجرة عند العقد يكون الأجر حينئذ أجراً مسمى، وإذا لم تُعرف أو اختُلف على الأجر المسمى يكون الأجر أجر المثل. وعلى ذلك فالأجرة قسمان:

  1. أجر مسمى، فيُشترط في اعتباره رضا العاقديْن عليه، فإذا رضي العاقدان بأجرة معينة كانت هذه الأجرة هي الأجر المسمى، ولا يُجبر المستأجِر على دفع أكثر منها كما لا يُجبر الأجير على أخذ أقل منها، بل هي الأجرة الواجبة شرعاً.
  2. وأجر المثل. وهو أجر مثل العمل ومثل العامل إذا كان عقد الإجارة قد ورد على منفعة العمل، ويكون أجر المثل أجر مثل العامل فقط إذا كان عقد الإجارة ورد على منفعة الشخص.

 

النظام الاقتصادي في دستور دولة الخلافة ، خير دولة لخير أمة... رحمة للعالمين

 

  • الأساس الذي يقوم عليه تقدير الأجرة

والذي يقدِّر الأجرة إنّما هم ذوو الخبرة في تعيين الأجرة، وليست الدولة، ولا عُرف أهل البلد، بل هم الخبراء في أجرة العمل المراد تقدير أجرته، أو العامل المراد تقدير أجرته.

أمّا الأساس الذي يقوم عليه تقدير الأجرة من قِبل الخبراء فهو المنفعة سواء أكانت منفعة العمل أو منفعة العامل، لأن عقد الإجارة وارد على المنفعة فتكون هي الأساس الذي يقوم عليه تقدير الأجرة. فلا تقدَّر الأجرة بإنتاج الأجير ولا بأدنى حد لمستوى عيشه بين جماعته، فلا دخل لإنتاج الأجير ولا لارتفاع مستوى المعيشة في تقديرها، وإنما يرجع تقديرها للمنفعة، فبحسب تقدير الخبراء لقيمة هذه المنفعة في المجتمع الذي يعيشون فيه يقدرون أجرة الأجير، وحين يقدّر الخبراء أجرة العمل وأجرة العامل ينظرون إلى قيمة هذه المنفعة في المجتمع فيقدرونها بقيمة المنفعة التي أداها العامل أو العمل، فإذا جرى الاختلاف على تقدير قيمة المنفعة في المجتمع فلا يجوز أن تقدّر بالبينة والحجة بل يُكتفى برأي الخبراء، لأن المسألة معرفة قيمة المنفعة لا إقامة بينة على مقدارها.

هذا هو الأساس الذي يجري عليه تقدير الأجرة، وهو المنفعة حسب تقدير الخبراء. إلاّ أنه حين يقدِّر الخبراء أجر المثل لا أجرة العمل أو العامل فقط، فإنه يجب عليهم أن ينظروا إلى الشخص المماثل للأجير لذلك العمل، أي أن ينظروا إلى العمل والعامل، وأن ينظروا في نفس الوقت إلى زمان الإيجار ومكانه، لأن الأجرة تتفاوت بتفاوت العمل والعامل والزمان والمكان.

  • أختيار الخبراء

والأصل في الخبراء الذين يقدّرون الأجرة أو أجر المثل أن يختارهم العاقدان أي المستأجِر والأجير، فإن لم يختارا الخبراء أو اختلفا عليهما فالمحكمة أو الدولة هي صاحبة الصلاحية في تعيين هؤلاء الخبراء.

إن وجدت خيرا فانشره، فالدال على الخير كفاعله، دولة الخلافة، - نصر نت - nusr.net