أحل الله سبحانه وتعالى الطيبات وحرم الخبائث والإنتفاع بها، قال سبحانه وتعالى {....ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث }. الأعراف 157 . وعقد الإجارة تمليك للمنفعة ظاهرا وباطنا، والمنافع الفاسدة لايجوز تملكها، أوتمليكها. ويشترط الشرع الحكيم أن تكون المنفعة مباحة لصحة عقد الإجارة، ولاتجوز إجارة الأجير فيما منفعته محرمة.

من النظام الاقتصادي في ظل دولة الخلافة على منهاج النبوة، حرمة إجارة المنافع المحرمة فلا تجوز إجارة الأجير على حمل الخمر لمن يشتريها ولا على عصرها ولا على حمل خنزير ولا ميتة، فقد رُوى الترمذي عن أنس بن مالك قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرة، عاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وساقيها وبائعها وآكل ثمنها والمشتري لها، والمشتراة له»،

وكذلك لا تجوز الإجارة على عمل من أعمال الربا، لأنه إجارة على منفعة محرمة، ولأنه قد رُوى ابن ماجه عن طريق ابن مسعود  عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه»،

أمّا موظفو المصارف (البنوك) ودوائر القطع وجميع المؤسسات التي تشتغل بالربا فإنه يُنظر، فإن كان العمل الذي استؤجروا له جزءاً من أعمال الربا سواء نتج عنه وحده الربا أم نتج عنه مع غيره من الأعمال ربا فإنه يحرم على المسلِم القيام بهذا العمل، وذلك كالمدير والمحاسبين والمدققين وكل عمل يؤدي منفعة تتصل بالربا سواء أكان اتصالها بشكل مباشر أم غير مباشر، أمّا الأعمال التي لا تتصل بالربا لا بشكل مباشر ولا غير مباشر –كالبواب والحارس والكناس وما شاكل ذلك- فإنه يجوز، لأنه استئجار على منفعة مباحة، ولأنه لا ينطبق عليه ما ينطبق على كاتب الربا وشاهديه،

ومثل موظفي المصارف، موظفو أنظمة الحكومات الرأسمالية  الذين يشتغلون بعمليات الربا، مثل الموظفين الذين يشتغلون في تحضير القروض للفلاحين بربا، وموظفي المالية الذين يعملون بما هو من أعمال الربا وموظفي دوائر الأيتام التي تقرض الأموال بالربا، فكلها وظائف محرمة يُعتبر من يشتغل بها مرتكباً كبيرة من الكبائر لأنه ينطبق عليه أنه كاتب للربا أو شاهده، وهكذا كل عمل من الأعمال التي حرمها الله تعالى يحرم أن يكون المسلم فيه أجيراً.

أمّا الأعمال المحرم ربحها أو الاشتراك بها لأنها باطلة شرعاً – كشركات التأمين وشركات المساهمة والجمعيات التعاونية وما شاكل ذلك- فإنه لا يجوز للمسلم أن يباشر العقود الباطلة أو العقود الفاسدة أو الأعمال المترتبة عليها، ولا يجوز له أن يباشر عقداً أو عملاً يخالف الحكم الشرعي، فيحرم أن يكون أجيراً فيه، وذلك كالموظف الذي يكتب عقود التأمين ولو لم يقبلها، أو الذي يفاوض على شروط التأمين أو الذي يقبل التأمين، ومثل الموظف الذي يوزع الأرباح بحسب المشتريات في الجمعيات التعاونية، ومثل الموظف الذي يبيع أسهم الشركات أو الذي يشتغل في حسابات السندات، ومثل الموظف الذي يقوم بالدعاية للجمعيات التعاونية وما شاكل ذلك،

أما الشركات المنعقدة  فجميع الموظفين فيها إن كان عملهم مما يجوز شرعاً أن يقوموا به جاز لهم أن يكونوا موظفين فيه، وإن كان العمل لا يجوز له أن يباشره هو شرعاً لنفسه لا يجوز له أن يكون موظفاً فيه، لأنه لا يجوز أن يكون أجيراً فيه، فما حرم القيام به من الأعمال حرم أن يؤجر عليه أو أن يكون أجيراً فيه.