طباعة
المجموعة: فقه النظام الاقتصادي

لا بد من تحديد الكيفية التي يحصل فيها الإنسان على المال حتى لا يتحكم أفراد قلائل في الأمّة عن طريق المال، ولا يُحرم الكثيرون من إشباع بعض حاجاتهم، وحتى لا يُسعى للمال لأجل المال فيفقد الإنسان طعم الحياة الهنيئة، ويُمنع المال من أن يناله الناس ويختفي في الخزائن والمخازن، ولهذا كان لا بد من تحديد أسباب التملك.

 المال هو كل ما يُتمَوَّل مهما كانت عينه, والمقصود من سبب تملكه هو السبب الذي أنشأ ملكية المال للشخص بعد أن لم يكن مملوكاً له. وأمّا المبادلة بجميع أنواعها فليست من أسباب تملك المال وإنما هي من أسباب تملك الأعيان، إذ هي تملّك عين معينة من المال بعين غيرها من المال، فالمال مملوك أصلاً وإنما جرى تبادل أعيانه. وكذلك لا تدخل تنمية المال كربح التجارة وأجرة الدار وغلة الزرع وما شابهها في أسباب تملك المال، فإنها وإن كان قد نشأ فيها بعض المال جديداً ولكنه نشأ عن مال آخر، فهي من أسباب نماء المال وليست من أسباب تملك المال. والموضوع هو تملّك المال إنشاءً، وبعبارة أخرى هو الحصول على المال ابتداءً. والفرق بين أسباب التملك وأسباب تنمية الملك أن التملك هو الحصول على المال ابتداءً أي الحصول على أصل المال، وتنمية الملك هي تكثير المال الذي مُلك، فالمال موجود وإنما نُمّيَ وكُثّرَ. وقد جاء الشرع لكل من الملك ومن تنمية الملك بأحكام تتعلق به. فالعقود، مِن بيع وإجارة، من الأحكام المتعلقة بتنمية المال، والعمل، مِن صيد ومضاربة، من الأحكام المتعلقة بالملك. فأسباب الملك هي أسباب حيازة الأصل، وأسباب تنمية الملك هي أسباب تكثير أصل المال الذي سبقت حيازته بسبب من أسباب التملك.

ولتملّك المال أسباب شرعية حصرها الشارع في أسباب معينة لا يجوز تعدّيها، فسبب ملكية المال محصور بما بيّنه الشرع. وتعريف الملكية السابق من أنها حكم شرعي مقدر بالعين  أو المنفعة يقضي أن يكون إذن من الشارع حتى يحصل التملك. وإذَن لا بد من أسباب يأذن الشارع بها ليحصل الملك، فإذا وُجد السبب الشرعي وُجد الملك للمال، وإذا لم يوجد السبب الشرعي لا يوجد ملك للمال ولو حازه فعلاً، لأن الملكية هي حيازة المال بسبب شرعي أذِن به الشارع، وقد حدد الشرع أسباب التملك بأحوال معينة بيّنها في عدد معين ولم يطلقها وجعلها خطوطاً عريضة واضحة تندرج تحتها أجزاء متعددة هي فروع منها ومسائل من أحكامها ولم يعللها بعلل كلية معينة فلا تقاس عليها كلّيات أخرى. وذلك لأن المتجدد من الحاجات إنّما هو في الأموال الحادثة وليس في المعاملات، أي ليس في نظام العلاقة وإنما هو في موضوعها، فكان لا بد من حصر المعاملات في أحوال معينة تنطبق على الحاجات المتجددة والمتعددة، وعلى المال من حيث هو مال، وعلى الجهد من حيث هو جهد. وفي هذا تحديد للملكية الفردية على الوجه الذي يتفق مع الفطرة وينظم هذه الملكية حتى يُحمى المجتمع من الأخطار المترتبة على إطلاقها. فإن الملكية الفردية مظهر من مظاهر غريزة البقاء، كما أن الزواج مظهر من مظاهر غريزة النوع، وكما أن العبادات مظهر من مظاهر غريزة التدين، فإذا أُطلقت هذه المظاهر في إشباع ما تتطلب إشباعه أدى ذلك إلى الفوضى والاضطراب وإلى الإشباع الشاذ أو الإشباع الخاطئ. ولذلك لا بد من تحديد الكيفية التي يحصل فيها الإنسان على المال حتى لا يتحكم أفراد قلائل في الأمّة عن طريق المال، ولا يُحرم الكثيرون من إشباع بعض حاجاتهم، وحتى لا يُسعى للمال لأجل المال فيفقد الإنسان طعم الحياة الهنيئة، ويُمنع المال من أن يناله الناس ويختفي في الخزائن والمخازن، ولهذا كان لا بد من تحديد أسباب التملك.

وباستقراء الأحكام الشرعية التي تقتضي ملكية الشخص للمال يتبين أن أسباب التملك محصورة في خمسة أسباب هي:

  1. العمل.
  2. الإرث.
  3. الحاجة إلى المال لأجل الحياة.
  4. إعطاء الدولة من أموالها للرعية.
  5. الأموال التي يأخذها الأفراد دون مقابل مال أو جهد.

وسيتم بيانها تفصيلا تباعا إن شاء الله.