من فطرة الإنسان أن يندفع لإشباع حاجاته، ولذلك كان من فطرته أن يحوز المال لإشباع هذه الحاجات، ومن فطرته أن يسعى لهذه الحيازة، لأن إشباع الإنسان لجوعاته أمرٌ حتمي لا يمكن أن يقعُد عنه. ومن  هنا كانت حيازة الإنسان للثروة فوق كونها أمراً فطرياً هي أمر حتمي لا بد منه.

ولذلك كانت كل محاولة لمنع الإنسان من حيازة الثروة مخالِفة للفطرة، وكانت كل محاولة لتحديد حيازته بمقدار معيَّن أمراً مخالِفاً للفطرة كذلك. ولهذا كان من الطبيعي أن لا يحال بين الإنسان وبين حيازة الثروة، ولا بينه وبين السعي لهذه الحيازة.

إلاّ أن هذه الحيازة لا يجوز أن تُترك للإنسان ينالها كيف يشاء ويسعى لها كيف يشاء ويتصرف بها كما يشاء، لأن هذا يؤدي إلى الفوضى والاضطراب ويسبّب الشر والفساد، لأن البشر يتفاوتون في القوى والحاجة إلى الإشباع، فإذا تُركوا وشأنهم حاز الثروة الأقوياء وحُرم منها الضعفاء، وهلك المرضى والقاصرون وأُتخِم بها المفرِطون في الشهوات.

ولذلك كان لا بد من أن يكون تمكين الناس من حيازة الثروة ومن السعي لها سائراً على وجه يَضمن إشباع الحاجات الأساسية لجميع الناس، ويضمن تمكينهم من إمكانية الوصول إلى إشباع الحاجات غير الأساسية. ومن أجل ذلك كان لا بد من تحديد هذه الحيازة بكيفية معينة تتحقق فيها البساطة بحيث تكون في متناول الناس جميعاً على تفاوت قواهم وحاجاتهم وتتفق مع الفطرة بحيث تُشبِع الحاجات الأساسية وتمكِّن من الوصول إلى إشباع الحاجات غير الأساسية. ومن هنا كان لا بد من الملكية المحددة بالكيف، وكان لا بد من محاربة منع الملكية لأنها تتناقض مع الفطرة، ومحاربة تحديد الملكية بالكم، لأنها تحدد سعي الإنسان لحيازة الثروة وهو يتناقض مع الفطرة، ومحاربة حرية التملك لأنها تؤدي إلى فوضى العلاقات بين الناس وتسبب الشر والفساد.

وقد جاء الإسلام فأباح الملكية الفردية وحددها بالكيف لا بالكم، فوافق بذلك الفطرة ونظم العلاقات بين الناس وأتاح للإنسان إشباع جوعاته كلها.