طباعة
المجموعة: فقه النظام الاجتماعي

فقه أنظمة دولة الخلافة على منهاج النبوة

اللعان مشتق من اللعن، لأن كل واحد من الزوجين يلعن نفسه في الخامسة إن كان كاذباً. والأصل فيه قوله تعالى: ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9)).

وروى أبو داود بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (جاء هلال بن أمية وهو أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم فجاء من أرضه عشاء فوجد عند أهله رجلاً فرأى بعينيه وسمع بأذنيه فلم يهجه حتى أصبح، ثم غدا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال: «يا رسول الله، إني جئت أهلي فوجدت عندهم رجلاً فرأيت بعيني وسمعت بأذني فكره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما جاء به، واشتدت عليه فنزلت { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ }»الآيتان كلاهما. فسُرّي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال: «أبشر يا هلال قد جعل الله لك فرجاً ومخرجاً. قال هلال: قد كنت أرجو ذلك من ربي تبارك وتعالى. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أرسلوا إليها. فأرسلوا إليها. فتلاها عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذكّرهما وأخبرهما أن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا. فقال هلال والله لقد صدقت عليها. فقالت كذب. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لاعنوا بينهما». فقيل لهلال: أشهد فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين. فلما كانت الخامسة قيل يا هلال اتق الله فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب. فقال: والله لا يعذبني الله عليها كما لم يجلدني عليها. فشهد الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين. ثم قيل لها اشهدي فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين فلما كانت الخامسة قيل لها اتقي الله فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة. وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب. فتلكأت ساعة ثم قالت: والله لا أفضح قومي فشهدت الخامسة. أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين. ففرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بينهما وقضى أن لا بيت لها عليه ولا قوت.

فإذا قذف رجل زوجته فقال لها زنيت، أو يا زانية أو رأيتك تزنين ولم يأت ببينة لزمه الحد إن لم يلتعن. فإن التعن هو ولم تلتعن هي عليها الحد لقول الله تعالى: { وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ}، والعذاب الذي يدرأ عنها هو حد الزنا للمحصن، لأن هلالاً بن أمية لما قذف امرأته وأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره أرسل إليها فلاعن بينهما. وهذه حالة خاصة من الحالات التي ثبت فيها الزنا وهي حالة ما إذا رمى الزوج زوجته بالزنا فإنه يثبت بلعانه وعدم لعانها، فإن لاعنت لا يثبت، فنكولها عن اللعان يثبت الزنا عليها، ويوجب عليها الحدّ بلعانه.

فإذا تلاعنا وفرق الحاكم بينهما لم يجتمعا أبداً، وحرمت عليه على التأبيد. لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرق بين المتلاعنين. روى مالك عن نافع عن ابن عمر: «أن رجلاً لاعن امرأته في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وانتفى من ولدها ففرق الرسول بينهما فألحق الولد بالمرأة» وروى سهل بن سعد قال: «مضت السنة في المتلاعنين أن يفرق بينهما ثم لا يجتمعان أبداً» أخرجه أبو داود، وهذه الفرقة باللعان فسخ لأنها توجب تحريماً على التأبيد، فلا تحل له حتى لو أكذب نفسه. إلا أنه إذا عاد وأكذب نفسه فلها عليه الحدّ، ويلحقه نسب الولد سواء أكذب نفسه قبل لعانها أو بعده.

واللعان الذي يبرأ به الزوج من الحدّ ويوجب الحدّ على الزوجة إن نكلت عن اللعان هو أن يقول الزوج بمحضر من الحاكم أشهد بالله لقد زنت ويشير إليها، وإن لم تكن حاضرة سماها ونسبها حتى يكمل ذلك أربع مرات ثم يوقف عند الخامسة ويقال له اتق الله فإنها الموجبة، وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، فإن أبى إلا أن يتم فليقل: ولعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رماها به من الزنا. وتقول هي: أشهد بالله لقد كذب أربع مرات ثم توقف عند الخامسة، وتخوف كما خوف الرجل، فإن أبت إلا أن تتم فلتقل: وغضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماها به من الزنا. فإن كان بينهما ولد ذكر الولد في اللعان، فإذا قال أشهد بالله لقد زنت، يقول: وما هذا الولد ولدي. وتقول هي: أشهد بالله لقد كذب، وهذا الولد ولده.

هذه هي كيفية الملاعنة وهذه هي ألفاظها وجملها، ولذلك لو أن المرأة ولدت فقال زوجها ليس هذا الولد مني، أو قال ليس هذا ولدي، فلا حدّ عليه لأن هذا ليس بقذف ولكنه يُسأل فإن قال زنت فولدت هذا من الزنا، فهذا قذف يثبت به اللعان. وإن قال أردت أنه لا يشبهني خلقاً، أو قال وطئت بشبهة والولد من الواطئ، أو ما شاكل ذلك فلا حدّ عليه، ويلحقه نسب الولد، لأنه لم يقذفها. ولا لعان في هذه المواضع، لأن من شرط اللعان القذف.

 

إن وجدت خيرا فانشره، فالدال على الخير كفاعله، دولة الخلافة، - نصر نت - nusr.net