فقه أنظمة دولة الخلافة على منهاج النبوة

اقتضت الحكمة الإلهية أن تكون المرأة هي محل الحمل والولادة، ولذلك وجب أن تقصر المرأة في التزوج على رجل واحد، ومنعت من التزوج بأكثر من زوج. وحرم ذلك عليها حتى يتمكن كل شخص من أن يعرف من انتسب إليه. وقد عني الشرع بثبوت النسب وبيَّن حكمه أتم بيان.

 وأقل مدة الحمل ستة أشهر، وغالبه تسعة أشهر، والزوج إذا ولدت امرأته ولداً يمكن أن يكون منه بأن ولدته لستة أشهر فأكثر من تاريخ زواجه بها فهو ولده، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم «الولد للفراش» متفق عليه من طريق عائشة رضي الله عنها. والحاصل: أنه ما دامت المرأة في زوجية الزوج وولدت ولداً بأكثر من ستة أشهر من الزواج فهو ولد الزوج مطلقاً.

إلا أن الزوج إذا ولدت امرأته ولداً لستة أشهر فأكثر وتحقق أن هذا الولد ليس منه فإنه يجوز له أن ينفيه بشروط لا بد من تحقيقها، فإذا لم تتحقق هذه الشروط لا قيمة لنفيه بل يبقى ولده شاء أو أبى. وهذه الشروط هي:

  1. أن يكون الذي ينفيه منه قد ولد حياً فلا ينفى نسب الولد إذا نزل ميتاً لأنه لا يلحق نفيه حكم شرعي.
  2. أن لا يكون قد أقر صراحة أو دلالة بأنه ابنه، فإذا أقر صراحة أو دلالة بأنه ابنه، فلا يصح أن ينفي نسبه بعد ذلك.
  3. أن يكون نفي الولد في أوقات مخصوصة وأحوال مخصوصة، وهي وقت الولادة، أو وقت شراء لوازمها، أو وقت علمه بأن زوجته ولدت أن كان غائباً، ولا ينتفي نسب الولد إذا نفاه في غير هذه الأوقات والأحوال. فإذا ولدت امرأته ولداً فسكت عن نفيه مع إمكانه، لزمه نسبه ولم يكن له نفيه بعد ذلك. ويتقدر الخيار بمجلس علمه وبإمكان النفي، فإن علم بالولد وأمكنه نفيه ولم ينفه ثبت نسبه، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «الولد للفراش» فإن ادعى أنه لا يعلم بالولادة وأمكن صدقه بأن يكون في موضع يخفى عليه ذلك، مثل أن يكون في محلة أخرى، أو في بلد آخر، فالقول قوله مع يمينه، لأن الأصل عدم العلم. وإن لم يمكن صدقه كأن يكون معها في الدار لم يقبل لأن ذلك لا يكاد يخفى عليه، وإن قال علمت ولادته ولم أعلم أن لي نفيه، أو قال علمت ذلك ولم أعلم أن عليَّ أن أنفيه فوراً، وكان مما يخفى عليه ذلك كعامة الناس، قُبـِل منه، لأن هذا الحكم مما يخفى على العامة فأشبه ما لو كان حديث عهد بالإسلام. وكل حكم كان مما يخفى مثله على مثله يعذر الجهل فيه، كمن هو حديث عهد بالإسلام. وإن كان مما لا يخفى مثل هذا الحكم على مثل ذلك الرجل لا يعذر الجهل فيه.
  4. أن يعقب نفي الولد اللعان أو أن ينفيه باللعان ولا ينتفي الولد عنه إلا أن ينفيه باللعان التام.

فإذا تحققت هذه الشروط الأربعة نفي الولد، وألحق بالمرأة، فقد روى ابن عمر «أن رجلاً لاعن امرأته في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وانتفى من ولدها ففرق رسول الله بينهما، وألحق الولد بالمرأة» أخرجه البخاري. وإذا لم تتحقق شروط نفي الولد فلا ينفى، ويثبت نسبه من الزوج، وتجري عليه جميع أحكام البنوة. هذا إذا كان الخلاف على حصول الولادة من الزوج. أما إذا حصل الخلاف بين الزوجين على حصول الولادة من الزوجة، بأن ادعت الزوجة أثناء قيام الزوجية بينهما أنها ولدت منه ولداً وجحد الزوج ذلك، بأن قال لم يحصل منك ولادة، فلها أن تثبت دعواها بشهادة امرأة مسلمة، وتكفي في هذه الحالة شهادة امرأة واحدة، لأن النسب ثابت بوجود الفراش. والولادة يصح أن تثبت بشهادة امرأة واحدة مستوفية شروط الشهادة.

 

 

إن وجدت خيرا فانشره، فالدال على الخير كفاعله، دولة الخلافة، - نصر نت - nusr.net