طباعة
المجموعة: فقه النظام الاجتماعي

فقه أنظمة دولة الخلافة على منهاج النبوة

ليست الزوجة شريكة الحياة للزوج، وإنما هي صاحبته، فالعشرة بينهما ليست عشرة شركاء، وليسوا مجبرين عليها طوال الحياة، وإنما العشرة بينهما عشرة صحبة، يصحب أحدهما الآخر صحابة تامة من جميع الوجوه، صحبة يطمئن فيها أحدهما للآخر، إذ جعل الله هذه الزوجية محل اطمئنان للزوجين.

 قال تعالى: { هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن اليها }. وقال تعالى: { ومن اياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة ان في ذلك لايات لقوم يتفكرون }، والسكن هو الاطمئنان، أي ليطمئن الزوج إلى زوجته والزوجة إلى زوجها، ويميل كل منهما للآخر ولا ينفر منه. فالأصل في الزواج الاطمئنان، والأصل في الحياة الزوجية الطمأنينة، وحتى تكون هذه الصحبة بين الزوجين صحبة هناء وطمأنينة بيَّن الشرع ما للزوجة من حقوق على الزوج، وما للزوج من حقوق على الزوجة.

وجاءت الآيات والأحاديث صريحة في هذا الباب. قال الله تعالى: { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} أي للنساء من الحقوق الزوجية على الرجال مثل ما للرجال عليهن. ولهذا قال ابن عباس: «إني لأتزين لامرأتي كما تتزين لي وأحب أن أستنظف كل حقي الذي لي عليها فتستوجب حقها الذي لها عليَّ، لأن الله تعالى قال: { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروفأي زينة من غير مأثم»، وعنه أيضاً: «لهن من حسن الصحبة والعشرة مثل الذي عليهن من الطاعة فيما أوجبه عليهن لأزواجهن».

وقد أوصى الله تعالى بحسن العشرة بين الزوجين قال تعالى: { وعاشروهن بالمعروف} وقال: { فامساك بمعروف}. والعشرة المخالطة والممازجة وعاشره معاشرة وتعاشر القوم واعتشروا. فأمر الله سبحانه وتعالى بحسن صحبة النساء إذا عقدوا عليهن لتكون الخلطة فيما بينهم وصحبتهم مع بعضهم على الكمال، فإنه أهدأ للنفس، وأهنأ للعيش، ومعاشرة الرجال للنساء تكون زيادة على وجوب إيفائها حقها من المهر والنفقة أن لا يعبس في وجهها بغير ذنب، وأن يكون منطلقاً في القول، لا فظاً ولا غليظاً ولا مظهراً ميلاً إلى غيرها.

وقد وصَّى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الرجال بالنساء فروى مسلم في صحيحه عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في خطبته في حجة الوداع «فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف». ورُوي عن النبي عليه السلام أنه قال: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» أخرجه الحاكم وابن حبان من طريق عائشة رضي الله عنها. ورُوي عنه عليه السلام أنه جميل العشرة يداعب أهله، ويتلطف بهم، ويضاحك نساءه حتى إنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها يتودد إليها بذلك. قالت سابقني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسبقته وذلك قبل أن أحمل اللحم، ثم سابقته بعد ما حملت اللحم فسبقني فقال: «هذه بتلك» أخرجه ابن حبان في صحيحه. وكان صلى الله عليه وآله وسلم إذا صلى العشاء يدخل منزله، ويسمر مع أهله قليلاً قبل أن ينام يؤانسهم بذلك. وروى ابن ماجة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «خياركم خياركم لنسائهم».

القوامة وقيادة البيت لا تعني التسلط

وهذا كله يدل على أن على الأزواج أن يحسنوا عشرة أزواجهم. ولما كانت الحياة الزوجية قد يحصل فيها ما يعكر صفوها، فقد جعل الله قيادة البيت للزوج على الزوجة، فجعله قواماً عليها. قال تعالى: { الرجال قوامون على النساء} وقال: { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم} ووصى المرأة بطاعة زوجها. قال صلى الله عليه وآله وسلم : «إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى ترجع» متفق عليه من طريق أبي هريرة، وقال عليه السلام لامرأة: «أذات زوج أنت؟» قالت: نعم، قال: «فإنّه جَنتك ونارك» أخرجه الحاكم من طريق عمة حصين بن محصن. وروى البخاري أن النبي عليه السلام قال: «لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه، وما أنفقت من نفقة من غير إذنه فإنه يرد إليه شطره» . وروى ابن بطة في أحكام النساء عن أنس أن رجلاً سافر ومنع زوجته من الخروج. فمرض أبوها، فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عيادة أبيها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «اتقي الله ولا تخالفي زوجك» فمات أبوها فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حضور جنازته فقال لها: «اتقي الله، ولا تخالفي زوجك» فأوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم : «إني قد غفرت لها بطاعة زوجها». فجعل الشرع للزوج الحق في منع زوجته من الخروج من منزله سواء أرادت عيادة والديها أو زيارتهما، أو أرادت الخروج إلى ما لا بد منه أو للنزهة، ولا يجوز لها أن تخرج من المنزل إلا بإذنه، لكن لا ينبغي للزوج منعها من عيادة والديها وزيارتهما لأن في ذلك قطيعة لهما، وحملاً لزوجته على مخالفته، وقد أمر الله تعالى بالمعاشرة بالمعروف، وليس منعها من عيادة والديها وزيارتهما من المعاشرة بالمعروف وليس للزوج أن يمنع زوجته من الخروج إلى المساجد. لما رُوي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله» متفق عليه من طريق عبد الله بن عمر.

وإذا تمردت المرأة على زوجها فقد جعل الله له حق تأديبها قال تعالى: { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا من اموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فان اطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ان الله كان عليا كبيرا } والضرب هنا يجب أن يكون ضرباً خفيفاً، أي ضرباً غير مبرح. كما فسر ذلك الرسول في خطبته في حجة الوداع حيث قال: «فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح» أخرجه مسلم من طريق جابر. وإنما أُعطي الزوج صلاحية معاقبة الزوجة إذا أذنبت لأنه القوَّام على إدارة ورعاية شؤون البيت، وما عدا مخالفتها لما أمرها الشرع بالقيام به فإنه لا يجوز للزوج أن يزعجها بشيء مطلقاً. قال تعالى: { فان اطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ان الله كان عليا كبيرا} بل يجب أن يكون رفيقاً معها، لطيفاً في طلب أي شيء منها حتى لو أرادها ينبغي عليه أن يحسن اختيار الأوضاع والحالات المناسبة لها. قال عليه السلام: «لا تطرقوا النساء ليلاً حتى تمتشط الشعثة، وتستحد الـمُـغيبة» متفق عليه من طريق جابر. وليس معنى قوامة الزوج على المرأة، وقيادته للبيت أنه المتسلط فيه، الحاكم له بحيث لا يرد له أمر، بل معنى قيادة الزوج للبيت هي رعاية شؤونه وإدارته، وليس السلطة أو الحكم فيه، ولذلك فإن للمرأة أن ترد على زوجها كلامه، وأن تناقشه فيه، وأن تراجعه فيما يقول، لأنهما صاحبان وليسا أميراً ومأموراً، أو حاكماً ومحكوماً، بل هما صاحبان جعلت القيادة لأحدهما من حيث إدارة بيتهما، ورعاية شؤون هذا البيت. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بيته كذلك صاحباً لزوجاته، وليس أميراً متسلطاً عليهن رغم كونه رئيس دولة، ورغم كونه نبياً. قال عمر بن الخطاب في حديث له «والله إن كنا في الجاهلية ما نعد للنساء أمراً حتى أنزل الله تعالى فيهن ما أنزل، وقسم لهن ما قسم فبينما أنا في أمر أأتمره إذ قالت لي امرأتي لو صنعت كذا وكذا، فقلت لها وما لك أنت ولما ها هنا، وما تكلفك في أمر أريده، فقالت لي عجباً لك يا ابن الخطاب ما تريد أن تراجع أنت، وإن ابنتك لتراجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى يظل يومه غضبان. قال عمر فآخذ ردائي ثم أخرج مكاني حتى أدخل على حفصة فقلت لها يا بنية إنك لتراجعين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى يظل يومه غضبان. فقالت حفصة والله إنا لنراجعه فقلت تعلمين أني أحذرك عقوبة الله، وغضب رسوله يا بنية لا يغرنك هذه التي قد أعجبها حسنها، وحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إياها. ثم خرجت حتى أدخل على أم سلمة لقرابتي منها، فكلمتها. فقالت لي أم سلمة عجباً لك يا ابن الخطاب، قد دخلت في كل شيء حتى تبتغي أن تدخل بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأزواجه. قال عمر فأخذتني أخذاً كسرتني به عن بعض ما كنت أجد، فخرجت من عندها» متفق عليه. وروى مسلم في صحيحه أن أبا بكر استأذن على النبي، ودخل بعد أن أذن له ثم استأذن عمر ودخل بعد الأذن، فوجد النبي جالساً وحوله نساؤه واجماً ساكتاً فقال عمر: لأقولن شيئاً أضحك النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال: يا رسول الله، لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها، فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: «هن حولي يسألنني النفقة». ومن ذلك يتبين أن معنى قوامة الرجل على المرأة هو أن يكون الأمر له، ولكن أمر صحبة لا أمر تسلط وسيطرة، فتراجعه وتناقشه.

هذا من ناحية العشرة وأما من ناحية القيام بأعمال البيت، فإنه يجب على المرأة خدمة زوجها من العجن، والخبز والطبخ، ومسح الدار وتنظيفها، ويجب عليها أن تسقيه إذا طلب أن يشرب، وأن تضع له الطعام ليأكل، وأن تقوم بخدمته في كل ما يلزمه في البيت. وكذلك ما يلزم لخدمة البيت مما تستدعيه أمور المعيشة في المنزل من كل شيء دون تحديد. ويجب عليه أن يحضر لها ما تحتاجه مما هو خارج البيت من إحضار الماء، وكل ما يلزمها لإزالة الوسخ، وتقليم الأظافر، وللتزين له مما تتزين به أمثالها، وغير ذلك.

والخلاصة أن كل عمل يلزم القيام به داخل البيت فيجب على المرأة أن تقوم به، أياً كان نوع العمل. وكل عمل يلزم القيام به خارج البيت فيجب على الرجل أن يقوم به. لما رُوي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قصة علي وفاطمة رضي الله عنهما «قضى على ابنته فاطمة بخدمة البيت، وعلى عليّ ما كان خارجاً عن البيت من عمل» وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأمر نساءه بخدمته فقال: «يا عائشة اسقينا يا عائشة أطعمينا يا عائشة هلمي الشفرة، واشحذيها بحجر» وقد رُوي «أن فاطمة أتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تشكو إليه ما تلقى من الرحى، وسألته خادماً يكفيها ذلك» متفق عليه من طريق علي، وهذا كله يدل على أن القيام بخدمة الرجل في البيت، وبخدمة البيت واجب من واجبات الزوجة يجب أن تقوم به. إلا أن قيامها به إنما يكون بقدر طاقتها فإذا كانت الأعمال كثيرة بحيث تجلب لها المشقة كان على الزوج أن يأتي لها بخادم يكفيها القيام بالأعمال، وكان لها أن تطالبه بذلك، وإن كانت الأعمال غير كثيرة، وهي قادرة على القيام بها فلا يجب عليه خادم لها بل يجب عليها أن تقوم هي بالخدمة بدليل ما قضى به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ابنته فاطمة بخدمة البيت. وهكذا يجب على الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف. ويجب على الزوجة مثل ما يجب لها بالمعروف، حتى تكون الحياة الزوجية حياة طمأنينة، يتحقق فيها قوله تعالى: { ومن اياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة ان في ذلك لايات لقوم يتفكرون}.

 

إن وجدت خيرا فانشره، فالدال على الخير كفاعله، دولة الخلافة، - نصر نت - nusr.net