طباعة
المجموعة: فقه النظام الاجتماعي

انفصال الرجال عن النساء في الحياة الاسلامية فرض فالاحكام الشرعية دلت على أن ينفصل الرجال فيها عن النساء سواء في الحياة الخاصة في البيت وماشاكلها أو في الحياة العامة في الاسواق وما شابهها كي لا يقع نظر الرجال على عورات النساء ونظر النساء على عورات الرجال.

 فأمر الله سبحانه وتعالى المؤمنين بغضّ البصر وغضّ البصر يقتضي عدم تصويبه من الرجل للمرأة ولا من المرأة للرجل. أي يجب على المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم.إلا الذين أباحت لهم الاحكام الشرعية النظر أو استثنتهم . فالاحكام الشرعية أباحت لكل واحد من الزوجين النظر إلى جميع بدن صاحبه لما روى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: «قلت يا رسول الله عورتنا ما نأتي منها وما نذر؟ فقال لي: احفظ عورتك إلا من زوجتك. أو ما ملكت يمينك» .

و يجوز للرجل أن ينظر من ذوات محارمه مسلمات وغير مسلمات إلى أكثر من الوجه والكفين من الأعضاء التي تكون محل زينة، دون تحديد بأعضاء معينة، لورود النص في ذلك، ولإطلاق هذا النص. قال تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} فهؤلاء جميعاً يجوز أن ينظروا من المرأة شعرها، ورقبتها، ومكان دملجها، ومكان خلخالها، ومكان عقدها، وغير ذلك من الأعضاء التي يصدق عليها أنها محل زينة، لأن الله يقول: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ }أي محل زينتهن، إلا لهؤلاء الذين ذكرهم القرآن، فإنه يجوز لهم أن ينظروا إلى ما يبدو منها في ثياب البذلة، أي في حالة التبذل. وروى الشافعي في مسنده عن زينب بنت أبي سلمة: (أنها ارتضعت من أسماء امرأة الزبير، قالت فكنت أراه أباً، وكان يدخل عليّ وأنا أمشط رأسي، فيأخذ بعض قرون رأسي ويقول: أقبلي عليّ). وروي أن أبا سفيان دخل على ابنته أم حبيبة زوجة رسول الله حين قدم المدينة ليجدد عهد الحديبية، فطوت فراش رسول الله لئلا يجلس عليه، ولم تحتجب منه وذكرت ذلك لرسول الله فأقرها، ولم يأمرها أن تحتجب منه، مع أنه مشرك ولكنه محرم.

وأما غير المحرم وغير الخاطب والزوج فإنه ينظر، فإن كانت هناك حاجة للنظر سواء نظر الرجل إلى المرأة، أو المرأة إلى الرجل فإنه يباح له أن ينظر إلى العضو الذي تستدعي الحاجة النظر إليه فحسب. ولا ينظر إلى غيره ما عدا الوجه والكفين، وهؤلاء الذين تستدعي الحاجة أن ينظروا إلى العضو والذين أباح لهم الشرع النظر هم كالطبيب، والممرضة، والمحقق ومن شاكل ذلك ممن تستدعي الحاجة أن ينظروا إليه من العورة وغيرها، فقد روي «أن النبي لما حكَّم سعداً في بني قريظة كان يكشف عن مؤتزرهم» أخرجه الحاكم وابن حبان من طريق عطية القرظي. وعن عثمان أنه أُتيَ بغلام قد سرق فقال: (انظروا إلى مؤتزره فوجدوه لم ينبت الشعر فلم يقطعه) أخرجه البيهقي. وقد كان عمل عثمان هذا على مرأى ومسمع من الصحابة فلم ينكر عليه أحد. كما أباحت الاحكام الشرعية لمن أراد أن يتزوج امرأة فله أن ينظر إليها من غير أن يخلو بها، فقد روى جابر قال: قال رسول الله : «إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل. قال: فخطبت امرأة فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها فتزوجتها» أخرجه الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم. ولا بأس بالنظر إليها بإذنها وبغير إذنها. لأن النبي أمرنا بالنظر المطلق. وفي حديث جابر المار «فكنت أتخبأ لها» . إلا أنه لا يجوز الخلوة بها. لأن النبي قال: «لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم منها فإن ثالثهما الشيطان» أخرجه مسلم من طريق ابن عباس، وهذا عام. ولم يرد استثناء منها بحق الخاطب، كما ورد استثناء في النظر. ويجوز أن ينظر إلى الوجه والكفين وإلى غير الوجه والكفين، لأن النظر إلى الوجه والكفين عام يشمل الخاطب وغيره، فلا معنى لوجود استثناء الخاطب منه، فدل على أن الاستثناء منصب على غير الوجه والكفين ولأن الرسول قال: «أن ينظر إليها» وهو عام يشمل النظر إلى الوجه والكفين، وإلى غيرهما، مما يلزم لمعرفتها بقصد المعرفة بغية النكاح حتى يخطبها.

وأما غير المحرم وغير الخاطب والزوج فإنه ينظر، فإن كانت هناك حاجة للنظر سواء نظر الرجل إلى المرأة، أو المرأة إلى الرجل فإنه يباح له أن ينظر إلى العضو الذي تستدعي الحاجة النظر إليه فحسب. ولا ينظر إلى غيره ما عدا الوجه والكفين، وهؤلاء الذين تستدعي الحاجة أن ينظروا إلى العضو والذين أباح لهم الشرع النظر هم كالطبيب، والممرضة، والمحقق ومن شاكل ذلك ممن تستدعي الحاجة أن ينظروا إليه من العورة وغيرها، فقد روي «أن النبي لما حكَّم سعداً في بني قريظة كان يكشف عن مؤتزرهم» أخرجه الحاكم وابن حبان من طريق عطية القرظي. وعن عثمان أنه أُتيَ بغلام قد سرق فقال: (انظروا إلى مؤتزره فوجدوه لم ينبت الشعر فلم يقطعه) أخرجه البيهقي. وقد كان عمل عثمان هذا على مرأى ومسمع من الصحابة فلم ينكر عليه أحد.

أما إذا لم تكن هنالك حاجة، ولم يكن غير المحرم من غير أولي الإربة، فإنه يباح له أن ينظر إلى وجه المرأة وكفيها، ويحرم عليه أن ينظر إلى ما عداهما لقوله : «إن الجارية إذا حاضت لم يصلح أن يُرى منها إلا وجهها ويداها إلى المفصل» رواه أبو داود. وقد استثنى الله في القرآن الوجه والكفين من النهي عن إبداء ما هو محل زينة من أعضاء المرأة. قال تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ} قال ابن عباس: (الوجه والكفين) . فالنهي عن إبداء الزينة من قبل المرأة نهي عن إبداء العورة، وكونه نهياً عن إبدائها يدل بطريق الالتزام على النهي عن النظر إلى ما نهيت المرأة عن إبدائه. واستثناء ما ظهر منها مما نهيت عن إبدائه استثناء من تحريم النظر إليه، وهو يعني جواز النظر إليه. فللرجل الأجنبي أن ينظر إلى وجه المرأة الأجنبية، وكفيها، نظرة تمكنه من أن يعرفها بعينها، ليشهد عليها إن لزمت الشهادة، وليرجع عليها إذا عاملها في بيع أو إجارة، وليتأكد من هويتها إذا داينها أو وفاها ديناً، أو اشتبه بها بامرأة أخرى أو غير ذلك. وكذلك للمرأة أن تنظر إلى ما ليس بعورة من الرجل. لما روي عن عائشة قالت: «كان رسول الله يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد» متفق عليه. ويوم فرغ النبي من خطبة العيد «فأتى النساء فذكّرهن ومعه بلال فأمرهن بالصدقة» أخرجه البخاري من طريق جابر. فهذا صريح في إقرار الرسول النساء أن ينظرن إلى الرجال.