طباعة
المجموعة: فقه النظام الاجتماعي

 إن الحياة الإسلامية، وهي عيش المسلمين في أحوالهم عامة ثابت بالنصوص الشرعية في القرآن والسنة أن الرجال ينفصلون فيها عن النساء، سواء في الحياة الخاصة في البيوت وما شاكلها، أو في الحياة العامة في الأسواق والطرقات وما شابهها.

وهذا فوق كونه ثابتاً من مجموع الأحكام الشرعية المتعلقة بالرجل، والمتعلقة بالمرأة، والمتعلقة بهما، وثابتاً من مخاطبة القرآن للنساء بوصفهن نساء، وللرجال بوصفهم رجالاً من مثل قوله تعالى :وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35) وغير ذلك فإنه مروي بشكل عملي، وبشكل جماعي من أيام الرسول وفي جميع عصور الإسلام.

أما مجموع الأدلة فإنه بتتبعها

  1. نجد أن الشارع أوجب على المرأة لبس الجلباب إذا أرادت الخروج إلى خارج البيت،
  2. وجعل المرأة كلها عورة ما عدا وجهها وكفيها،
  3. وحرّم عليها إبداء زينتها لغير محارمها، وحرّم على الرجل النظر إلى عورتها، ولو إلى شعرها،
  4. ومنع المرأة من السفر، ولو إلى الحج دون محرم،
  5. ونجد أن الشارع حرّم الدخول إلى البيوت إلا بإذن،
  6. ونجد أنه لم يفرض على المرأة صلاة جماعة، ولا صلاة جمعة، ولا جهاداً وفرضها على الرجل،
  7. ونجد أنه أوجب السعي والكسب على الرجل ولم يوجبه على المرأة.
  8. كل ذلك كان إلى جانب أن الرسول قد فصل الرجال عن النساء، وجعل صفوف النساء في المسجد وفي الصلاة خلف صفوف الرجال، أخرج البخاري عن أنس بن مالك أن جدته مليكة دعت رسول الله لطعام صنعته فأكل منه ثم قال: «قوموا فلأصل لكم. . . إلى أن قال: فقام رسول الله وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا» .
  9. وعند الخروج من المسجد أمر الرسول بخروج النساء أولاً ثم الرجال حتى يفصل النساء عن الرجال، أخرج البخاري عن هند بنت الحارث عن أم سلمة زوج النبي أخبرتها «أن النساء في عهد رسول الله كنّ إذا سلّمن من المكتوبة قمن، وثبت رسول الله ومن صلى من الرجال ما شاء الله، فإذا قام رسول الله قام الرجال»
  10. وفي دروسه عليه السلام في المسجد قالت النساء له: يا رسول الله، غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يوماً. أخرجه البخاري من طريق أبي سعيد الخدري.

فهذه الأحكام والحالات وما شابهها تدل في مجموعها على سير الحياة الإسلامية، وأنها حياة ينفصل فيها الرجال عن النساء، وأن هذا الفصل فيها بين الرجال والنساء جاء عاماً، لا فرق في ذلك بين الحياة الخاصة، والحياة العامة، فإن الحياة الإسلامية في عهد الرسول قد فصل فيها الرجال عن النساء مطلقاً، في الحياة الخاصة، وفي الحياة العامة على السواء. ولا يستثنى من ذلك إلا ما جاء الشارع بجواز الاجتماع فيه سواء في الحياة الخاصة، أو في الحياة العامة.

والشارع أجاز للمرأة

  1. البيع والشراء والأخذ والعطاء،
  2. وأوجب عليها الحج،
  3. وأجاز لها حضور صلاة الجماعة،
  4. وأن تجاهد الكفار،
  5. وأن تملك وأن تنمي أموالها، إلى غير ذلك مما أجازه لها.

فهذه الأفعال التي أجازها الشارع للمرأة، أو أوجبها عليها ينظر فيها فإن كان القيام بها يقتضي الاجتماع بالرجل جاز حينئذ الاجتماع في حدود أحكام الشرع، وفي حدود العمل الذي أجازه لها، وذلك كالبيع والشراء والإجارة والتعلم والتطبيب والتمريض والزراعة والصناعة وما شابه ذلك. لأن دليل إباحتها أو إيجابها يشمل إباحة الاجتماع لأجلها، وأما إن كان القيام بها لا يقتضي الاجتماع بالرجل كالمشي في الطريق في الذهاب إلى المسجد أو إلى السوق أو إلى زيارة الأهل، أو للنزهة، وما شابه ذلك فإنه لا يجوز اجتماع المرأة بالرجل في مثل هذه الأحوال، لأن دليل انفصال الرجال عن النساء عام، ولم يرد دليل بجواز الاجتماع بين الرجل والمرأة لمثل هذه الأمور، ولا هي مما يقتضيه ما أجاز الشرع للمرأة أن تقوم به؛ ولهذا كان الاجتماع لمثل هذه الأمور إثماً، ولو كانت في الحياة العامة.

وعليه فإن:

  1. انفصال الرجال عن النساء في الحياة الإسلامية فرض،
  2. وأن الانفصال في الحياة الخاصة يكون انفصالاً تاماً إلا ما استثناه الشرع،
  3. وأما في الحياة العامة فإن الأصل هو الانفصال، وانه لا يجوز فيها الاجتماع بين الرجال والنساء إلا فيما جاء الشارع بإباحته أو بإيجابه أو بندبه للمرأة، وكان القيام به يقتضي الاجتماع بالرجال، سواء كان الاجتماع مع وجود الانفصال كما في المسجد، أو كان مع وجود الاختلاط كما في مشاعر الحج والبيع والشراء.