فقه أنظمة دولة الخلافة على منهاج النبوة

الجيش قسمان: قسم احتياطي، وهم جميع القادرين على حمل السلاح من المسلمين، وقسم دائم في الجندية تخصص لهم رواتب في ميزانية الدولة كالموظفين. وهذا آتٍ من فرضية الجهاد، فإن كل مسلم فرض عليه الجهاد، وفرض عليه أن يتدرب له؛ ولذلك يكون جميع المسلمين جيشاً احتياطياً؛ لأن الجهاد فرض عليهم.

وأما جعل قسم منهم دائماً في الجندية، فإن دليله هو قاعدة «ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب»؛ لأنه لا يتم القيام بفرض الجهاد دائماً، وبحماية بيضة الإسلام وذِمار المسلمين من الكفار، إلا بوجود جيش دائم؛ ومن هنا كان فرضاً على الإمام أن يوجد جيشاً دائماً.

أفراد ورواتب الجند

بالنسبة للمسلم وإن كان الجهاد عبادة، فإنه يجوز استئجار المسلم للجندية والقتال؛ لدليل الإجارة العام، ولأن الإجارة على القيام بالعبادة - إن كانت مما يتعدى نَفعُه فَاعِلَه- جائزة؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله»رواه البخاري من طريق ابن عباس. وتعليم كتاب الله عبادة، فكما يجوز استئجار المسلمين لتعليم القرآن، وللإمامة، والأذان، وهي عبادات،كذلك يجوز استئجاره للجهاد، وللجندية،فكلها عبادات يتعدى نفعها فاعلها. على أن جواز استئجار المسلمين للجهاد، حتى لمن يتعين عليه، قد ورد دليله في الحديث صراحة، فقد روى أبو داود عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:«للغازي أجره، وللجاعل أجره وأجر الغازي»، والغازي هو الذي يغزو بنفسه، والجاعل هو الذي يغزو عنه غيْرُهُ بأجر، قال في القاموس المحيط:(والجعالة مثلثة ما جعله له على عمله، وتجاعلوا الشيء جعلوه بينهم، وما تجعل للغازي إذا غزا عنك بِجُعْل) فالحديث يبيِّن جواز أن يدفع الرجل (أجرة) لآخر ليغزو عنه، أي أن يُستأجر الرجل للغزو. وروى البيهقي عن جُبير بن نُفير قال:قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«مثل الذين يغزون مِن أُمتي، ويأخذون الجُعل، يتقوون على عدوهم، مثل أُم موسى، ترضع ولدها، وتأخذ أجرها» والأجر هنا معناه الأجرة. ومن هنا يُجعَلُ للجنود رواتب كالموظفين.

والجنود المسلمون لهم أجرهم عند الله في جهادهم حتى وإن أخذوا راتباً؛ وذلك لحديث البخاري السابق من أنه يجوز أخذ الأجر على تعليم كتاب الله وهو عباده، أي فيه أجر عند الله سبحانه حسب نية المدرس لكتاب الله.

جندية الكافر وأجره

الكافر لا يطالب بالجهاد، ولكن إن قام به يُقبل منه، وحينئذٍ يجوز أن يعطى مالاً لما روى الترمذي عن الزهري: «أنّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم أسهم لقوم من اليهود قاتلوا معه»ولما روى ابن هشام: «أنّ صفوان ابن أمية خرج مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى حنين، وهو على شركه، فأعطاه مع المؤلفة قلوبهم من غنائم حنين».

وعليه فإنه يجوز أن يكون الكافر مع الجيش الإسلامي، وأن يُعطى له مال؛ لوجوده في الجيش. وأيضاً فإن تعريف الإجارة بأنها عقد على المنفعة بعوض يدل على أن الإجارة جائزة على كل منفعة يمكن للمستَأجر استيفاؤها من الأجير، فيدخل فيها استئجار الشخص للجندية، وللقتال؛ لأنها منفعة. فيكون عموم دليل الإجارة على أي منفعة من المنافع دليلاً على جواز استئجار الكافر للجندية وللقتال.

الجيش الإسلامي

ويُجعَل الجيش الإسلاميّ جيشاً واحداً مؤلفاً مِن عَدّة جيوش، ويوضع لكل جيش من هذه الجيوش رقم، فيقال: الجيش الأول، الجيش الثالث مثلاً، أو يُسمى باسم ولاية من الولايات، أو عِمالة من العمالات، فيقال، جيش الشام، جيش مصر، جيش صنعاء مثلاً.

ويوضع الجيش الإسلامي في معسكرات خاصة، فتوضع في كل معسكر منها مجموعة من الجند، إمّا جيشاً واحداً، أو قسماً من جيش، أو عدة جيوش. إلا أنه يجب أن توضع هذه المعسكرات في مُختلف الولايات، وبعضها في قواعد عسكرية، ويُجعل بعضها مُعسكرات مُتنقلة تنقلاً دائمياً، تكون قوات ضاربة، ويطلق على كل معسكر منها اسم خاص، كمعسكر الحبانية مثلاً، وتكون لكل معسكر راية خاصة.

هذه الترتيبات، إمّا أن تكون من المباحات كتسمية الجيوش بأسماء الولايات، أو بأرقام معينة، فتترك لرأي الخليفة واجتهاده، وإما أن تكون من باب ما لا يتم الواجب إلا به، كأن تكون لا بد منها لحماية البلاد، كترتيبات الجيش في الثغور، ووضع الجيش في معسكرات في الأمكنة الاستراتيجية لحماية البلاد... ونحو ذلك.

وقسم عمر بن الخطاب معسكرات الجيش على الولايات، فصيّر فلسطين جنداً (فيلقا) والموصل جنداً، وكان يجعل في مركز الدولة جنداً، ويجعل لديه جيشاً في موقع حصين يكون على استعداد للقتال عند أول إشارة.

 

الجيش في دستور دولة الخلافة