طباعة
المجموعة: فقه الحكم ولإدارة

فقه أنظمة دولة الخلافة على منهاج النبوة

دائرة الحربيـة: هي جهاز من أجهزة الدولة، ورئيسها يسمى أمير الجهاد وليس مدير الجهاد؛ وذلك لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يسمى قادة الجيش بالأمراء. روى ابن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أمير الناس زيد بن حارثة، فإن قتل فجعفر بن أبي طالب، فإن قتل فعبد الله بن رواحة، فإن قتل فليرتض المسلمون بينهم رجلاً فيجعلوه عليهم».

وروى البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «أمَّر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة مؤتة زيد بن حارثة...». وروى البخاري من حديث سلمة بن الأكوع: «وغزوت مع زيد، وكان يؤمره علينا». وروى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعثاً، وأمر عليهم أسامة بن زيد، فطعن بعض الناس في إمارته، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل، وأيم الله إن كان لخليقاً للإمارة...». وكان الصحابة، رضوان الله عليهم، يسمون جيش مؤتة جيش الأمراء. وروى مسلم عن بريدة قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أمَّر أميراً على جيش أو سريّة أوصاه...».

مهام دائرة الحربية

ودائرة الحربية تتولى جميع الشؤون المتعلقة بالقوات المسلحة، مِن جيش، ومعدات، وأسلحة، ومهمات وعتاد، وما شاكل ذلك، ومن كليات عسكرية، وبعثات عسكرية، وكل ما يلزم من الثقافة الإسلامية، والثقافة العامة للجيش، وكل ما يتعلق بالحرب والإعداد لها. ويدخل في صلاحية دائرة الحربية بث العيون على الكفار المحاربين، وتنشأ إدارة لهذا الغرض تابعة لدائرة الحربية، وأدلة ذلك مشهورة في سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

هذا كله تتولاه، وتشرف عليه دائرة الحربية، واسمها يتعلق بالحرب والقتال. والحرب تحتاج إلى جيش، والجيش يحتاج إلى إعداده وتكوينه من قيادته إلى أركانه إلى ضباطه، إلى جنوده.

الجيش وإعداده

ويحتاج تكوين الجيش إلى إعداد وتدريب بَدنيّ وفنيّ يتناول فنون القتال على مختلف الأسلحة، متطوراً مع تطوّرها؛ ولذلك كانت الدراسة الفنية والعسكرية لازمة من لوازمه، وكان التدريب على فنون القتال، وعلى مختلف الأسلحة ضرورة من ضروراته.

وقد أكرم الله سبحانه وتعالى المسلمين، بأن جعلهم حملة رسالة الإسلام إلى العالم أجمع، وحدّد لهم طريقة حمله بالدعوة والجهاد، وجعل الجهاد فرضاً عليهم، والتدريب على الجنديّة واجباً.

فكل رجل مسلم يبلغ الخامسة عشرة من عمره فرض عليه أن يتدرب على الجندية استعداداً للجهاد. وأما التجنيد فهو فرض على الكفاية.

وأدلة التدريب على الجندية هي: قوله تعالى: «وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله»ولقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم»رواه أبو داود من طريق أنس. ولما كان القتال اليوم لا بد له من تدريب عسكري حتى يتأتى القيام به على الوجه المطلوب شرعاً من قهر العدو، وفتح البلدان، كان هذا التدريب فرضاً كالجهاد، عملاً بالقاعدة الشرعية «ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب»؛ لأن طلب القتال يشملها، إذ هو عام: «وَقَاتِلُوهُم»، فهو أمر بالقتال، وأمر بما يُمكِّن من القتال وفوق ذلك فإن الله تعالى يقول: «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ»، والتدريب والخبرة العسكرية العالية هي من الإعداد للقوة؛ لأنها لا بُدّ من تَوفُّرها للتمكّن من القتال، فهي من القوة التي تُعَدّ كالعتاد والمهمات ونحوها.

التجنيد

وأما التجنيد وهو جعل الناس جنوداً في الجيش، تحت السلاح بشكل دائم، فإنه يعني إيجاد مجاهدين قائمين فعلاً بالجهاد، وبما يتطلبه الجهاد، وهذا فرض؛ لأن القيام بالجهاد فرض دائم مستمر، سواء هاجمنا العدو أم لم يهاجمنا. ومن هنا كان التجنيد فرضاً داخلاً في حكم الجهاد.

أما تحديد العمر بخمس عشرة سنة، فللحديث الذي أخرجه البخاري من طريق نافع قال: «حدثني ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يُجزني، ثم عرضني يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني» قال نافع: (فقدمت على عمر بن عبد العزيز وهو خليفة، فحدَّثته هذا الحديث، فقال: إن هذا لحدٌّ بين الصغير والكبير، وكتب إلى عماله أن يفرضوا لمن بلغ خمس عشرة). أي يقدِّروا لهم رزقاً في ديوان الجند.

وهذا ما نتبناه، وهو أن من بلغ الخامسة عشرة فإن عليه التدرُّب على الجندية.

 

 

أمير الجهاد، دائرة الحربية والجيش في دستور دولة الخلافة