طباعة
المجموعة: فقه الحكم ولإدارة

فقه أنظمة دولة الخلافة على منهاج النبوة

 دائرة الصناعة هي الدائرة التي تتولى جميع الشؤون المتعلقة بالصناعة، سواء أكانت صناعة ثقيلة كصناعة المحركات والآلات، وصناعة هياكل المركبات، وصناعة المواد، والصناعات الإلكترونية، أم كانت صناعة خفيفة، وسواء أكانت المصانع التي من نوع المصانع التي تدخل في الملكية العامة، أم من المصانع التي تدخل في الملكية الفردية، ولها علاقة بالصناعات الحربية.

المصانع تُقام على أساس السياسة الحربية

والمصانع بأنواعها يجب أن تُقام على أساس السياسة الحربية؛ لأن الجهاد والقتال يحتاج إلى الجيش، والجيش حتى يستطيع أن يقاتل لا بد له من سلاح. والسلاح حتى يتوفر للجيش توفراً تاماً على أعلى مستوى لا بدَّ له من صناعة في داخل الدولة. وبخاصة الصناعة الحربية لعلاقتها القوية بالجهاد.

الدولة تتولى الصناعة وتطويرها

والدولة حتى تكون مالكة زمام أمرها، بعيدة عن تأثير غيرها فيها، لا بُدّ من أن تقوم هي بصناعة سلاحها، وتطويره بنفسها، حتى تكون باستمرار سيدة نفسها، ومالكة لأحدث الأسلحة وأقواها، مهما تقدمت الأسلحة وتطورت، وحتى يكون تحت تَصرّفها كل ما تحتاج إليه من سلاح، لإرهاب كل عَدوٍّ ظاهر لها، وكل عدوٍّ مُحتَمل، كما قال الله سبحانه وتعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ}. وبذلك تكون الدولة مالكة إرادتها، تُنتِج السلاح الذي تحتاج إليه وتطوره، وتستمر في تطويره بالشكل الذي يمكّنها مِن أن تحوز على أعلى الأسلحة وأقواها، حتى تستطيع بالفعل أن تُرهِب جميع الأعداء الظاهرين والمحتملين. ولهذا  يجب على الدولة أن تقوم بصناعة أسلحتها بنفسها، ولا يجوز أن تَعتَمِد على شِرائه من الدول الأخرى؛ لأن ذلك سيجعل الدول الأخرى متحكمة بها وبمشيئتها، وبسلاحها، وبحربها، وقِتالها.

والمشاهد المحسوس في عالم اليوم أن الدول التي تبيع السلاح إلى الدول الأخرى لا تبيع كل سلاح، خاصة المتطور منه، ولا تبيعه إلا بشروط معينة، تشمل كيفية استعماله. ولا تبيعه كذلك إلا بمقدار مُعيّنٍ هي تراه، وليس حسب طلب الدولة التي تريد شراءه، مما يجعل للدولة التي تبيع السلاح سيطرة ونفوذاً على الدولة التي تشتري السلاح، ما يُمكِنّها من فرض إرادتها عليها، خاصة إذا ما وقعت الدولة التي تشتري السلاح في حرب، فإنها عندئذٍ ستحتاج إلى مزيد من السلاح، ومن قِطَع الغيار، ومن الذخيرة، ما سيجعل اعتمادها على الدولة المصدّرة للسلاح أكثر، وخضوعها لطلباتها أكبر. وهذا يُتيح للدولة المصدّرة أن تتحكم فيها، وفي إرادتها، خاصة وهي في حالة الحرب، وفي حالة شدة احتياجها للسلاح، وإلى قطع الغيار. وبذلك ترهن نفسها، ومشيئتها، وحربها، وكيانها، للدولة التي تُصدّر إليها السلاح.

لذلك كله يجب أن تقوم الدولة بنفسها بصنع سلاحها، وكل ما تحتاج من إليه من آلة الحرب، ومن قِطع الغيار. وهذا لا يتأتى للدولة إلا إذا تبنت الصناعة الثقيلة، وأخذت تُنتِج أولاً المصانع التي تُنتج الصناعات الثقيلة، الحربية منها وغير الحربية. فلا بُدَّ من أن يكون لديها مصانع لإنتاج السلاح الذري، والمركبات الفضائية، ولإنتاج الصواريخ، والأقمار، والطائرات، والدبابات، والمدافع، والسفن الحربية، والمركبات المصفحة بأنواعها، والأسلحة الثقيلة والخفيفة بأنواعها. ويجب أن يكون لديها مصانع لإنتاج الآلات، والمحركات، والمواد، والصناعة الالكترونية، وكذلك المصانع التي لها علاقة بالملكية العامة، والمصانع الخفيفة التي لها علاقة بالصناعات الحربية. كل ذلك يقتضيه وجوب الإعداد المفروض على المسلمين، قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}.

وبما أن الدولة الإسلامية دولة حاملة للدعوة الإسلامية، بطريقة الدعوة والجهاد، فإنها ستكون دولة دائمة الاستعداد للقيام بالجهاد، وهذا يقتضي أن تكون الصناعة فيها، ثقيلة أو خفيفة، مَبنيَّة على أساس السياسة الحربية، حتى إذا ما احتاجت إلى تحويلها إلى مصانع تُنتِج الصناعة الحربية بأنواعها سهل عليها ذلك في أي وقت تريد؛ ولذلك يجب أن تُبنى الصناعة كلها في دولة الخلافة على أساس السياسة الحربية، وأن تُبنى جميع المصانع، سواء التي تُنتِج الصناعات الثقيلة، أو التي تنتج الصناعات الخفيفة، على أساس هذه السياسة، ليسهُل تحويل إنتاجها إلى الإنتاج الحربيّ في أيّ وقت تحتاج الدولة إلى ذلك.

 

من دستور دولة الخلافة:

المادة 160: الاشراف على الشؤون الصناعية، وصناعة الملكية العامة