طباعة
المجموعة: فقه الحكم ولإدارة

يجب على القاضي النظر في جميع ما يرد إليه من القضايا مهما كانت والحكم فيها بما أنزل الله فدين الله كامل كاف شاف، ولايجوز أن يحكم بغير ما أنزل الله بأي حال من الأحوال، ولايقضي بين الناس إلا من كان عالما بالكتاب والسنة، فقيها في دين الله قادراً على معرفة الحق من الباطل، بريئا من الجور والظلم بعيداً عن الهوى والتعصب.

درجات المحاكم في جهاز القضاء في دولة الخلافة على منهاج النبوةولذلك يجوز أن تتعدد درجات المحاكم بالنسبة لأنواع القضايا، فيجوز أن يُخصّص بعض القضاة بأقضية معينة إلى حد معين، وأن يوكل أمر غير هذه القضايا إلى محاكم أخرى.

وذلك أن القضاء هو استنابة من الخليفة وهي كالوكالة سواء بسواء، من غير أي فرق بينهما، إذ هي من الوكالة، وتجوز الوكالة عامةً، وتجوز خاصة؛ ولهذا يجوز أن يُعيّن القاضي قاضياً في قضايا معينة، ويُمنَع من غيرها، ويجوز أن يُعيّن غيره في غيرها، وفيما عُيّن له هو، ولو في مكان واحد؛ ومن هنا جاز تعدد درجات المحاكم، وقد كان ذلك موجوداً عند المسلمين في العصور الأولى، يقول الماوردي في كتابه الأحكام السلطانية: «قال أبو عبد الله الزبيري: لم تزل الأمراء عندنا بالبصرة برهة من الدهر يستقضون قاضياً على المسجد الجامع، يسمونه قاضي المسجد، يحكم في مائتي درهم وعشرين ديناراً فما دونها. ويفرض النفقات، ولا يتعدى موضعه وما قدر له» والرسول صلى الله عليه وآله وسلم أناب عنه في القضاء في قضية واحدة كما حصل في إنابته لعمرو بن العاص، وأناب عنه في القضاء في جميع القضايا في وِلاية من الولايات، كما حصل في إنابته عليه السلام لعليّ بن أبي طالب على قضاء اليمن، مما يدل على جواز تخصيص القضاء وجواز تعميمه.

ولا توجد محاكم استئناف، ولا محاكم تمييز، فالقضاء من حيث البت في القضية درجة واحدة، فإذا نطق القاضي بالحكم فحكمه نافذ، ولا ينقضه حكم قاض آخر، والقاعدة الشرعية (الاجتهاد لا ينقض بمثله) فليس أي مجتهد بحجة على مجتهد آخر، فلا يصح وجود محاكم تنقض أحكام محاكم أخرى.

إلا أن القاضي إن ترك الحكم بأحكام الشريعة الإسلامية، وحكم بأحكام الكفر، أو إن حكم بحكم يخالف نصاً قطعياً من الكتاب أو السنة أو إجماع الصحابة، أو حكم حكماً مخالفاً لحقيقة  الواقع، كأن حكم على شخص بالقصاص على أنه قاتل عمد، ثم ظهر القاتل الحقيقي، فإنه في هذه الحالات وأمثالها ينقض حكم القاضي؛

وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ» رواه البخاري ومسلم من طريق عائشة . ولما روى جابر بن عبد الله: «أن رجلاً زنى بامرأة، فأمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجُلد. ثم أُخبر أنه محصن فأمر به فَرُجم» ولما روى مالك بن أنس قال: «بلغني أن عثمان  أُتي بامرأة ولدت من ستة أشهر فأمر برجمها. فقال له علي: ما عليها رجم؛ لأن الله تعالى يقول: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا} ويقول: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} فالحمل يكون ستة أشهر؛ فلا رجم عليها. فأمر عثمان بردها»، وأخبر عبد الرزاق عن الإمام الثوري قال: «إذا قضى القاضي بخلاف كتاب الله، أو سنة رسول الله، أو شيء مجمع عليه، فإن القاضي بعده يرده». والذي له صلاحية نقض الأحكام هو قاضي المظالم.

 

القضاء في دستور دولة الخلافة على منهاج النبوة