طباعة
المجموعة: فقه الحكم ولإدارة

   عندما لاحظ الغرب الكافر وأعوانه في البلاد الإسلامية ،تشوق الأمة الإسلامية لحكم الإسلام ودولة الخلافة ،عمدوا لإدخال مفاهيمهم المغلوطة لتغيير مفاهيم الإسلام المتعلقة بالدولة ونظام الحكم فيها ،ومن جملة ذلك أنهم طرحوا مسالة استبداد الحاكم كمشكلة تحتاج لحل. وتصوروا الحل كما هو في النظم الديمقراطية يكون بتحديد مدة ولاية الحاكم.

 العبرة في مدة الحكم بالتزام الخليفة بعقد الخلافة من حيث تطبيق الشرع وتوفر شروط أهليته للحكم، وليست العبرة بمدة معينة طالت أو قصرت وقام مفكرون وعلماء مسلمون ببحث المسألة على هذا الأساس ،أي جعلوا أساس البحث الضمانات العملية التي تحول دون ظلم الحاكم واستبداده وقالوا بإن فكرة الحكم المؤقت والفصل بين السلطات لا يتنفى مع الفكر السياسي الإسلامي. ومن الواضح أن البحث لم يكن على أساس أنهم يريدون أخذ الأسلام وتطبيقه، وليس على أساس أن هذه المسالة هي إحدى المسائل الجزئية في نظام الحكم يجب فهمها وبيان الحكم الشرعي فيها. فالقول بتحديد مدة زمنية للرئاسة جاء متأثرا بضغط الواقع ولم يكن نتيجة لإستقراء النصوص الشرعية.

ولابد أن ندرك أن قضية المسلمين ومعاناة الناس ليست من عدم تحديد مدة الرئاسة، بل إن السبب الحقيقي لمعاناة الناس هو عدم تطبيق الإسلام عليهم ، وتطبيق الأنظمة الوضعية ومنها الديمقراطية عليهم التي تهيئ الأجواء للحاكم لاستغلال التشريع كأدة للسيطرة السياسية, ولطرح هذه المسألة لابد من الرجوع إلى فهم واقع الخلافة والبيعة من النصوص الشرعية ،وليس على أساس حل مشكلة الإستبداد. والرجوع إلى نصوص الشرع.  

عقد الخلافة منصب على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، أي تطبيق الشرع، فليس لرئاسة الخليفة مُدّة مُحدّدة بزمن مُحدّد. فما دام محافظاً على الشرع، مُنفّذاً لأحكامه، قادراً على القيام بشؤون الدولة، ومسؤوليات الخلافة، فإنه يبقى خليفة. ذلك أنّ نَصّ البيعة الواردة في الأحاديث جاء مطلقاً، ولم يُقَيّد بمدّة مُعيّنة، لما روى البخاري عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله: «اسمعوا وأطيعوا، وإن استُعمِل عليكم عَبدٌ حَبشَيٌ، كأن رأسه زبيبة» وفي رواية أخرى لمسلم من طريق أم الحصين: «يقودكم بكتاب الله». وأيضاً فإن الخلفاء الراشدين قد بُويع كلٌ منهم بيعةً مُطلقة، وهي البيعة الواردة في الأحاديث. وكانوا غير محدودي المدة، فتولى كل منهم الخلافة منذ أن بُويع حتى مات. فكان ذلك إجماعاً من الصحابة رضوان الله عليهم على أنه ليس للخلافة مدة محددة، بل هي مُطلقة، فإذا بُويع ظلّ خليفة حتى يموت.

إلا أنه إذا طرأ على الخليفة ما يجعله معزولاً، أو يستوجب العزل، فإن مُدّته تنتهي، ويُعزل. غير أن ذلك ليس تحديداً لمدته في الخلافة، وإنما هو حدوث اختلال في شروطها. إذ إن صيغة البيعة الثابتة بالنصّ الشرعي، وإجماع الصحابة، تجعل الخلافة غير مُحدّدة المدة، لكنها مُحدّدة بقيامه بما بُويع عليه، وهو الكتاب والسنة، أي بالعمل بهما، وتنفيذ أحكامهما، فإن لم يحافظ على الشرع، أو لم ينفذه فإنه يجب عزله ولو بعد يوم من توليه منصب الخلافة.