طباعة
المجموعة: فقه الحكم ولإدارة

بينت الاحكام الشرعية صلاحيات الخليفة وحقه في رعاية شؤون الرعية حسب رأيه وإجتهاده ، ما يمكن الدولة والامة من حمل الدعوة الاسلامية للعالمين وبما يدخل السعادة والطمأنينة لأفراد الرعية، ولكن هذا لا يعني أن يكون رأيه واجتهاده ابتاعا للهوى، ولذلك فإن الخليفة  مقيد في كل ما يتبناه فمن أحكام وقوانين لإدارة شؤون الدولة بالشريعة الاسلامية.

أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوٓءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ ٱلْأَرْضِ ۗ أَءِلَـٰهٌۭ مَّعَ ٱللَّهِ ۚ قَلِيلًۭا مَّا تَذَكَّرُونَ  فالخليفة مُقيّد في التبني بالأحكام الشرعية، فيحرم عليه أن يتبنى حكماً لم يُسْتَنبط اسْتنباطاً صحيحاً مِنَ الأدلة الشرعية. والأدلة على ذلك:

  1. عموم فرض التقيد بالحكم الشرعي في كل الأفعال: فهذا ما فرضه الله سبحانه على كل مسلم، خليفة كان أو غير خليفة، بان يُسيّر جميع أعماله حسب الأحكام الشرعية، قال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}. وتَسيير الأعمال بحسب الأحكام الشرعية يُحتّم عليه أن يتَبنى حكماً معيناً، حين يتَعدّد فَهْمُ خطاب الشارع، أي حين يتعدّد الحكم الشرعي. فصار التبني لحكم مُعيّن فيما تَعدد مِنْ أحكام واجباً على المسلم، حين يريد القيام بالعمل، أي حين يريد تطبيق الحكم، فهو واجب على الخليفة، حين يقوم بعمله وهو الحكم.
  2. نص البيعة: نص البيعة التي يُبايَع عليها الخليفة تُلزمه بالتزام الشريعة الإسلامية، إذ إنها بيعة على العمل بالكتاب والسنة، فلا يَحلّ له أن يَخرُج عنهما، بل يكفر إن خرج عنهما معتقداً، ويكون عاصياً وظالماً وفاسقاً إذا خرج عنهما غير معتقد. وحق الطاعة مقيد بتقيده في الحكم بشرع الله، بل لا يجوز للأمة أن تطيعه إن فيما خرج به عن شرع الله، ووجب عليه أن تنكر عليه وعلى محكمة المظالم النظر في عزله
  3. مهمة الخليفة تطبيق الشرع: إن الخليفة منصوب لتنفيذ الشرع؛ فلا يَحلّ له أن يأخذ من غير الشرع لينفذه على المسلمين؛ لأن الشرع نَهى عن ذلك بشكل جازم، وصل إلى درجة نفي الإيمان عمن يحكِّم غير الإسلام، وهو قرينة على الجزم. فمعناه أن الخليفة مُقيّد في تبنيه الأحكام، أي في سَنّه القوانين، بالأحكام الشرعية وحدها، فإذا سَنّ قانوناً من غيرها كفر إن اعتقد به، وكان عاصياً وظالماً وفاسقاً إن لم يعتقد به.
  1. الحكم الشرع الملزم في حقه هو ما يتبناه هو لنفسه، فالحكم الشرعي الذي يُنفّذه الخليفة هو الحكم الشرعي في حقه هو، لا في حق غيره، أي هو الحكم الشرعي الذي تبناه ليُسيّر أعماله بحسبه، وليس أي حكم شرعي. فإذا استنبط الخليفة حكماً، أو قَلّد في حكم، كان هذا الحكم الشرعي هو حكم الله في حقه، وكان مقيداً في تبنيه للمسلمين بهذا الحكم الشرعي، ولا يَحلّ له أن يتبنى خلافه، لأنه لا يعتبر حكم الله في حقه، فلا يكون حكماً شرعياً بالنسبة له، وبالتالي لا يكون حكماً شرعياً بالنسبة للمسلمين؛ ولذلك كان مُقيّداً في أوامره التي يصدرها للرعية بهذا الحكم الشرعي الذي تبناه، ولا يَحلّ له أن يُصدِر أمراً على خلاف ما تبنى مِنْ أحكام؛ لأنه إن فعل فكأنه أصدر أمراً على غير الحكم الشرعي؛ ومن هنا كان لا يجوز له أن يُصدِر أمراً خلاف ما تبناه مِنْ أحكام.
  2. وأيضاً فإن طريقة الاستنباط يتغير بحسبها فهم الحكم الشرعي، فإذا كان الخليفة يرى أن علّة الحكم تُعتَبر علة شرعية إذا أُخِذت مِنْ نَصّ شرعي، ولا يرى أن المصلحة علّة شرعية، ولا يرى أن المصالح المرسلة دليل شرعي، إذا رأى ذلك فقد عَيّن لنفسه طريقة الاستنباط، وحينئذٍ يجب أن يَتقيّد بها، فلا يصح أن يتبنى حكماً دليله المصالح المرسلة، أو يأخذ قياساً على علّة لم تؤخذ من نصّ شرعي؛ لأن هذا الحكم لا يُعتبَر حكماً شرعياً في حقه، لأنه يرى أن دليله ليس دليلاً شرعياً، فهو إذن لم يكن في نظره حكماً شرعياً. وما دام لا يُعتبَر حكماً شرعياً في حق الخليفة فهو ليس حكماً شرعياً في حق المسلمين. فيكون كأنه تبنى حكماً من غير الأحكام الشرعية. فيُحرم عليه ذلك. وإذا كان الخليفة مُقلّداً، أو مُجتهد مسألة، وليس مجتهداً مطلقاً، أو مجتهد مذهب له طريقة معينة في الاستنباط، فإنه يسير في تبنيه حسب المجتهد الذي قلده، أو حسب اجتهاده هو في المسألة، ما دام له دليل أو شُبهة الدليل. وفي هذه الحالة، يكون فقط مُقيّداً فيما يصدره مِنْ أوامر، بأن لا يصدرها إلا وفق ما تبناه مِنْ أحكام.