طباعة
المجموعة: فقه الحكم ولإدارة

  لقد تفردت الحضارة الاسلامية عن غيرها فيما أبدعته هذه الحضارة وقدمته للمسلمين ( حكم البيعة ) كطريقة لتنصيب الخليفة، فالبيعة من خصائص نظام الحكم في الاسلام فالامة تبايع على الخضوع والسمع والطاعة لخليفة المسلمين ، والخليفة يبايع على الحكم بالكتاب والسنة أي بالاسلام ، بيد أنها كانت من أهم مميزات النظام السياسي في الاسلام ، كما تبدد وهْم وإدعاء القائلين بأنه ليس في الاسلام نظام حكم محدد جاء به الشرع .

لقد سبق أن بيّـنّا أدلة البيعة وأنها الطريقة في الإسلام لتنصيب الخليفة. وأما كيف تكون، فإنها تكون مصافحةً بالأيدي، وقد تكون بالكتابة. فقد حدّث عبد الله بن دينار قال: شهدت ابن عمر، حيث اجتمع الناس على عبد الملك، قال: «كتب أني أقر بالسمع والطاعة لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين على كتاب الله وسنة رسوله ما استطعت». ويصح أن تكون البيعة بأية وسيلة من الوسائل.
إلا أنه يشترط في البيعة أن تصدر من البالغ، فلا تصح البيعة من الصغار. فقد حدّث أبو عقيل زهرة بن معبد عن جده عبد الله بن هشام، وكان قد أدرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وذهبت به أُمه زينب بنت حميد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: يا رسول الله بايعه، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «هو صغير. فمسح رأسه ودعا له» رواه البخاري.
أما ألفاظ البيعة فإنها غير مقيدة بألفاظ معينة. ولكن لا بد من أن تشتمل على العمل بكتاب الله وسنة رسوله بالنسبة للخليفة، وعلى الطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره بالنسبة للذي يُعطي البيعة. ويصدر قانون بتحديد هذه الصيغة وفق المعطيات السابقة.
ومتى أعطى المبايِع البيعة للخليفة، فقد أصبحت البيعة أمانة في عنق المبايِع، لا يَحِلّ له الرجوع عنها، فهي حق باعتبار انعقاد الخلافة حتى يعطيها، فإن أعطاها أُلزِم بها. ولو أراد أن يرجع عن ذلك لا يجوز. ففي البخاري عن جابر بن عبد الله   أن أعرابياً بايع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  على الإسلام، فأصابه وعك فقال: «أقلني بيعتي» فأبى، ثم جاء فقال: «أقلني بيعتي» فأبى، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «المدينة كالكير تنفي خَبَثَها، ويَنْصَعُ طيبُها». وعن نافع قال: قال لي عبد الله بن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له» رواه مسلم. ونقضُ بيعة الخليفة خَلْعٌ لليد من طاعة الله. غير أن هذا إذا كانت بيعته للخليفة بيعة انعقاد، أو بيعة طاعة لخليفة صحَّت بيعة الانعقاد له. أما لو بايع خليفةً ابتداءً، ثم لم تتمّ البيعة له، فإن له أن يتحلل من تلك البيعة، على اعتبار أن بيعة الانعقاد لم تتم له من المسلمين. فالنهي في الحديث مُنصَبّ على الرجوع عن بيعة خليفة، لا عن بيعة رجل لم تتمّ له الخلافة.