حصر المرشحين لمنصب الخليفة إذا كان هناك خليفة مات أو عزل... ويُراد إيجاد خليفة مكانه، أو إذا لم يكن هنالك خليفة مطلقاً، وأصبح فرضاً على المسلمين أن يقيموا خليفة لهم؛ لتنفيذ أحكام الشرع، وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم، كما هي الحال منذ زوال الخلافة الإسلامية في اسطنبول، بتاريخ الثامن والعشرين من رجب 1342هـ، الموافق 3 آذار 1924م.

  • حصر المرشحين لمنصب الخليفة إذا كان هناك خليفة مات أو عزل... ويُراد إيجاد خليفة مكانه:

من تتبع كيفية تنصيب الخلفاء الراشدين، يتبين أن هناك حصراً للمرشحين كان يتم، ففي سقيفة بني ساعدة كان المرشحون أبا بكر، وعمر، وأبا عبيدة، وسعد بن عبادة، واكتفي بهم، لكن عمر وأبا عبيدة لَم يكونا يعدلان بأبي بكر فلم ينافساه عليها، وأصبح الترشيح عملياً بين أبي بكر وسعد بن عبادة، ثم انتخب أهل الحل والعقد في السقيفة أبا بكر خليفةً وبايعوه بيعة الانعقاد، ثم في اليوم التالي بايع المسلمون أبا بكر في المسجد بيعة الطاعة.

ورشح أبو بكر للمسلمين عمر خليفةً ولَم يكن معه مرشح آخر، ثم بايعه المسلمون بيعة الانعقاد ثم بيعة الطاعة.

ورشح عمر للمسلمين ستةً وحصرها فيهم ينتخبون من بينهم خليفةً، ثم ناقش عبد الرحمن بن عوف الخمسة الباقين وحصرهم في اثنين: علي وعثمان، بعد أن وكله الباقون. وبعد ذلك استطلع رأي الناس واستقر الرأي على علي وعثمان خليفةً.

وأما علي رضي الله عنه فلم يكن معه مرشح آخر للخلافة فبايعته جمهرة المسلمين في المدينة والكوفة وصار الخليفة الرابع.

ولأن بيعة عثمان رضي الله عنه قد تحقق فيها: أقصى المدة المسموح بها لانتخاب الخليفة أي ثلاثة أيام بلياليها، وكذلك حصر المرشحين بستة، ثم من بعدُ باثنين، فإننا سنذكر كيفية حدوثها بشيء من التفصيل لفائدتها فيما نحن بصدده:

1- توفي عمر رضي الله عنه يوم الأحد صباحاً مستهل سنة 24 هجرية على أثر طعنته من أبي لؤلؤة لعنه الله، حيث كان عمر رضي الله عنه قائماً يصلي بالمحراب فجر الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة 23 هجرية. وقد صلى عليه صهيب رضي الله عنه وفق ما أوصى به عمر رضي الله عنه.

2- فلما فرغ من شأن عمر، جمع المقداد أهل الشورى الستة الذين أوصى لهم عمر في أحد البيوت، وقام أبو طلحة بحجبهم، فجلسوا يتشاورون، ثم وكلوا عبد الرحمن بن عوف أن يختار منهم خليفةً وهم  راضون.

3- بدأ عبد الرحمن نقاشهم وسؤال كل منهم: إن لَم يكن هو الخليفة فمن يرى الخليفة من الباقين؟ وكان جوابهم لا يعدو علياً وعثمان. وبالتالي حصر عبد الرحمن الأمر باثنين من ستة.

4- بعد ذلك أخذ عبد الرحمن يستشير الناس كما هو معروف.

5- في ليلة الأربعاء أي ليلة اليوم الثالث بعد يوم وفاة عمر رضي الله عنه (الأحد)، ذهب عبد الرحمن إلى دار ابن أخته المسور بن مخرمة، وهنا أنقل من البداية والنهاية لابن كثير:

(فلما كانت الليلة التي يسفر صباحها عن اليوم الرابع من موت عمر، جاء إلى منزل ابن أخته المسور بن مخرمة فقال: أنائم يا مسور؟ والله لَم أغتمض بكثير نوم منذ ثلاث...) أي الليالي الثلاث بعد وفاة عمر الأحد صباحاً، أي ليلة الاثنين، وليلة الثلاثاء، وليلة الأربعاء، إلى أن قال (إذهب فادع إليَّ علياً وعثمان... ثم خرج بهما إلى المسجد... ونودي في الناس عامةً: الصلاة جامعة...) وكان ذلك فجر الأربعاء، ثم أخذ بيد علي، رضي الله عنه وكرم الله وجهه، وسأله عن المبايعة على كتاب الله وسنة رسوله وفعل أبي بكر وعمر، فأجابه علي رضي الله عنه الجواب المعروف: على الكتاب والسنة نعم، أما فعل أبي بكر وعمر فإنه يجتهد رأيه، فأرسل بيده، ثم أخذ بيد عثمان وسأله السؤال نفسه فقال: اللهم نعم، وتمت البيعة لعثمان رضي الله عنه.

وصلى صهيب بالناس الصبح وصلى الظهر من ذلك اليوم، ثم صلى عثمان رضي الله عنه بالناس العصر خليفةً للمسلمين. أي أنه على الرغم من بدء بيعة الانعقاد لعثمان رضي الله عنه عند صلاة الصبح، إلا أن إمرة صهيب لَم تنتهِ إلا بعد بيعة أهل الحل والعقد في المدينة لعثمان، وقد اكتملت قبيل العصر حيث كان الصحابة يتداعون لبيعة عثمان إلى ما بعد منتصف ذلك النهار وقبيل العصر، وقد اكتمل الأمر قبيل العصر، فانتهت إمرة صهيب وصلى عثمان بالناس العصر خليفةً لهم.

ويفسر صاحب البداية والنهاية لماذا صلى صهيب بالناس الظهر علماً بأن أمر البيعة لعثمان قد تم عند الفجر فيقول: (... بايعه الناس في المسجد، ثم ذُهِبَ به إلى دار الشورى «أي البيت الذي اجتمع فيه أهل الشورى» فبايعه بقية الناس، وكأنه لَم يُتم البيعة إلا بعد الظهر، وصلى صهيب يومئذٍ الظهر في المسجد النبوي، وكان أول صلاة صلاها الخليفة أمير المؤمنين عثمان بالمسلمين هي صلاة العصر...)

(هناك اختلاف حول يوم طعن عمر ووفاته وبيعة عثمان... ولكننا ذكرنا الراجح منها).

وعليه فإن الأمور التالية يجب أن تؤخذ في الاعتبار عند الترشيح للخلافة بعد شغورها (بالوفاة أو العزل...) وهي:

  1. العمل في موضوع الترشيح يكون في الليل والنهار طيلة أيام المهلة.
  2. حصْر المرشحين من حيث توفر شروط الانعقاد، وهذه تقوم بها محكمة المظالم.
  3. حصْر المرشحين المؤهلين مرتين: الأولى بستة، والثانية باثنين، والذي يقوم بهاتين هو مجلس الأمة باعتباره ممثلاً للأمة؛ لأن الأمة فوضت عمر فجعلها ستةً، والستة فوضوا من بينهم عبد الرحمن فجعلها بعد النقاش في اثنين، ومرجع كل هذا كما هو واضح هي الأمة أي ممثلوها.
  4. تنتهي صلاحية الأمير المؤقت بانتهاء إجراءات البيعة وتنصيب الخليفة وليس بإعلان نتيجة الانتخاب، فصهيب لَم تنتهِ إمرته بانتخاب عثمان بل بانتهاء بيعته.

وعلى ضوء ما سبق يصدر قانون يحدد كيفية انتخاب الخليفة خلال ثلاثة أيام بلياليها. وقد وضع قانون لذلك وسيتم مناقشته وتبنيه في الوقت المناسب بإذن الله.

هذا إذا كان هناك خليفة مات أو عزل... ويُراد إيجاد خليفة مكانه.

 

  • إذا لم يكن هناك خليفة مطلقا

أما إذا لم يكن هنالك خليفة مطلقاً، وأصبح فرضاً على المسلمين أن يقيموا خليفة لهم؛ لتنفيذ أحكام الشرع، وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم، كما هي الحال منذ زوال الخلافة الإسلامية في اسطنبول، بتاريخ الثامن والعشرين من رجب 1342هـ، الموافق 3 آذار 1924م، فإن كل قطر من الأقطار الإسلامية الموجودة في العالم الإسلامي أهل لأن يُبايع خليفة، وتنعقد به الخلافة، فإذا بايع قطر ما من هذه الأقطار الإسلامية خليفة، وانعقدت الخلافة له، فإنه يصبح فرضاً على المسلمين في الأقطار الأخرى أن يبايعوه بيعة طاعة، أي بيعة انقياد، بعد أن انعقدت الخلافة له ببيعة أهل قطره، على شرط أن تتوفر في هذا القطر أربعة أمور:

  1. أن يكون سلطان ذلك القطر سلطاناً ذاتياً، يستند إلى المسلمين وحدهم، لا إلى دولة كافرة، أو نفوذ كافر .
  2. أن يكون أمان المسلمين في ذلك القطر بأمان الإسلام، لا بأمان الكفر، أي أن تكون حمايته من الداخل والخارج حماية إسلام، من قوة المسلمين، باعتبارها قوة إسلامية بحتة.
  3. أن يبدأ حالاً بمباشرة تطبيق الإسلام كاملاً تطبيقاً انقلابياً شاملاً، وأن يكون متلبساً بحمل الدعوة الإسلامية.
  4. أن يكون الخليفة المبُايَع مستكملاً شروط انعقاد الخلافة، وإن لم يكن مستوفياً شروط الأفضلية؛ لأن العبرة بشروط الانعقاد .

فإذا استوفى ذلك القطر هذه الأمور الأربعة، فقد وجدت الخلافة بمبايعة ذلك القطر وحده، وانعقدت به وحده، وأصبح الخليفة الذي بايعوه انعقاداً على الوجه الصحيح هو الخليفة الشرعي، ولا تصح بيعة لسواه.

فأي قطر آخر يبايع خليفةً آخر بعد ذلك، تكون بيعتُه باطلةً ولا تصح؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما»، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «... فوا ببيعة الأول فالأول»، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «من بايع إماماً، فأعطاه صفقة يده، وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع، فإذا جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر».