حين أوجب الشرع على الأُمة نصب خليفة عليها، حدد لها الطريقة التي يجري بها نصب الخليفة، وهذه الطريقة ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة. وتلك الطريقة هي البيعة. فيجري نصب الخليفة ببيعة المسلمين له على العمل بكتاب الله وسنة رسوله. والمقصود بالمسلمين هم الرعايا المسلمون للخليفة السابق إن كانت الخلافة قائمةً، أو أهل القطر الذي تقام الخلافة فيه إن لم تكن الخلافة قائمة.

 أما كون هذه الطريقة هي البيعة فهي ثابتة من بيعة المسلمين للرسول صلى الله عليه وآله وسلم،ومن أمر الرسول صلى الله عليه وىله وسلم لنا ببيعة الإمام. أما بيعة المسلمين للرسول، فإنها ليست بيعة على النبوة، وإنما هي بيعة على الحكم، إذ هي بيعة على العمل، وليست بيعة على التصديق. فبُويع صلى الله عليه وآله وسلم على اعتباره حاكماً، لا على اعتباره نبياً ورسولاً؛ لأن الإقرار بالنبوة والرسالة إيمان وليس بيعة، فلم تبق إلا أن تكون البيعة له باعتباره رئيس الدولة. وقد وردت البيعة في القرآن والحديث. قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لاَ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ} وقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}. وروى البخاري قال: حدثنا إسماعيل، حدثني مالك عن يحيى بن سعيد قال: أخبرني عُبادة ابن الوليد، أخبرني أبي عن عُبادة بن الصامت قال: «بايعْنا رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره، وأن لا ننازع الأمر أهله، وأن نقوم أو نقول بالحق حيثما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم». وفي مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: « …ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده، وثمرة قلبه فليطعه إنِ استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر». وفي مسلم أيضاً عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما». وروى مسلم عن أبي حازم قال: قاعدت أبا هريرة خمس سنين، فسمعته يحدّث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي، خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء فتكثر، قالوا فما تأمرنا؟قال:فُوا ببيعة الأول فالأول، وأعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم». فالنصوص صريحة من الكتاب والسنة بأن طريقةنصب الخليفة هي البيعة. وقد فَهِمَ ذلك جميع الصحابة، وساروا عليه، وبيعة الخلفاء الراشدين واضحة في ذلك.