طباعة
المجموعة: أصول الفقه الإسلامي

أصول الفقه الإسلاميأفعال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة أقسام:

معنى وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:

لا يعني وجوب القيام بالفعل الذي فعله، بل يعني وجوب الاتباع حسب الفعل، فإن كان الفعل مما يجب، كان القيام به واجباً، وإن كان القيام به مما يندب، كان القيام به مندوباً، وإن كان الفعل مباحاً، كان القيام به مباحاً. فالاتباع واجب حسب ما جاء في الفعل، وهو مثل اتباع أوامر الرسول، فالله تعالى يقول: (( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) فدل ذلك على وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فيما يأمر به، ولكنه لا يدل على وجوب القيام بما يأمر به، بل يكون القيام به حسب ما أمر به، فإن أمر به على الوجوب كان القيام به واجباً، وإن أمر به على الندب كان القيام به مندوباً، وإن أمر به على الإباحة كان القيام به مباحاً. وكذلك أفعاله صلى الله عليه وآله وسلم يجب اتباعها، ولكن القيام بها حسب ما جاءت به الأفعال.

دلالة أفعال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:

أما متى يـدل الفعل على الوجوب، ومتى يدل على الندب، ومتى يدل على الإباحة، فإن ذلك فيه تفصيل:

أقوال وردود

1) وهناك من يقول إن القيام بالفعل الذي فعله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم واجب، ويستدلون على ذلك بالكتاب، والسنة، وإجماع الصحابة. أما الكتاب فقوله تعالى: (( فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ)) فقد أمر الله بمتابعته، ومتابعته امتثال القول والإتيان بمثل فعله، والأمر للوجوب فيجب القيام بالفعل. وقال تعالى: (( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)) فإنه يدل على أن محبة الله مستلزمة للمتابعة ومحبة الله تعالى واجبة إجماعاً، ولازم الواجب واجب، فتكون المتابعة واجبة. وأيضاً قوله تعالى: (( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ))فحذر من مخالفة أمره، والتحذير دليل الوجوب، والأمر يطلق على الفعل كما يطلق على القول. وأيضاً قوله تعالى: (( وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ)) والأخذ هنا معناه الامتثال، ولا شك أن الفعل الصادر من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد آتانا إياه، فيكون امتثاله واجباً للآية. وأيضاً قوله تعالى: (( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ))فإن منطوقه أن الأسوة لمن كان يؤمن، فربطها بالإيمان، أي من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فله في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسوة حسنة، ومعناه أنه من لم يتأس به لا يكون مؤمناً بالله ولا باليوم الآخر، وهذا قرينة على الطلب الجازم وهو دليل الوجوب. وأيضاً قوله تعالى: (( قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)) أمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأمر للوجوب، ومن أتى بمثل فعل الغير على قصد إعظامه فهو مطيع له، فيكون القيام بالفعل واجباً. وأيضاً قوله تعالى : (( فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا)) فجعل فعله تشريعاً واجب الاتباع، وهذا يدل على أنه فعله واجب الاتباع.

وأما السنة، فما روي أن الصحابة، رضي الله عنهم، خلعوا نعالهم في الصلاة لما خلع صلى الله عليه وآله وسلم نعله، ففهموا وجوب المتابعة له في فعله، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم أقرهم على ذلك، ثم بين لهم علة انفراده بذلك، عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : «أَنَّهُ صَلَّى فَخَلَعَ نَعْلَيْهِ، فَخَلَعَ النَّاسُ نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: لِمَ خَلَعْتُمْ نِعَالَكُمْ؟ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْنَاكَ خَلَعْتَ فَخَلَعْنَا، قَالَ: إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ بِهِمَا خَبَثًا» أخرجه أحمد. وأيضاً ما روي عنه أنه أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة ولم يفسخ، فقالوا له: «أَمَرْتَنَا بِفَسْخِ الْحَجِّ وَلَمْ تَفْسَخْ» ففهموا أن حكمهم كحكمه، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ينكر عليهم، بل أبدى عذراً يختص به، وهو سوقه الهدي. وأيضاً ما روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه نهى الصحابة عن الوصال في الصوم وواصل، فقالوا له: نهيتنا عن الوصال وواصلت فقال: «إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ، إِنِّي أَظَلُّ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي» أخرجه أحمد، فأقرهم على ما فهموه من مشاركتهم له في الحكم، واعتذر بعذر يختص به.وأيضاً ما أخرجه مسلم عن عمر بن أبي سلمة أنه «سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم أَيُقَبِّلُ الصَّائِمُ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم : سَلْ هَذِهِ - لأُِمِّ سَلَمَةَ - فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَصْنَعُ ذَلِكَ» ولو لم يكن متبعاً في أفعاله لما كان لذلك معنى.وكذلك ما روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم في غسل الرأس من الجنابة أنه قال: «أَمَّا أَنَا فَأُفِيضُ عَلَى رَأْسِي ثـَلاَثَ أَكُفٍّ» أخرجه النسائي. وكان ذلك جواباً عندما تمارى القوم في غسل الجنابة عنده صلى الله عليه وآله وسلم . وأيضاً ما روى البخاري عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه أمر الصحابة بالتحلل بالحلق والذبح، فتوقفوا، فشكا ذلك إلى أم سلمة، فأشارت إليه بأن يخرج وينحر ويحلق، ففعل ذلك، فذبحوا وحلقوا، ولولا أن فعله متبع لما كان كذلك.

وأما الإجماع، فلأن الصحابة اختلفوا في وجوب الغسل من الجماع بغير إنـزال، فلما بلغهم فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي روته عائشة رضي الله عنها: «فَعَلْتُهُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم فَاغْتَسَلْنَا»أخرجه الترمذي وابن ماجه وأحمد، فأجمعوا على الوجوب. وأيضاً ما روي عن عمر t أنه كان يقبل الحجر الأسود ويقول: «إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ وَلَوْلاَ أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم اسْتَلَمَكَ مَا اسْتَلَمْتُكَ» أخرجه البخاري. وكان ذلك شائعاً فيما بين الصحابة من غير نكير، فكان إجماعاً على اتباعه في فعله صلى الله عليه وآله وسلم .

والجواب عن كل هذه الأدلة ينحصر في نقطة واحدة، هو أن هناك فرقاً بين الاتباع، وبين القيام بالعمل، أي هناك فرق بين اتباع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وبين القيام بما فعله الرسول، فاتباع الرسول واجب ولا كلام ولا خلاف في ذلك،ولكنالقيامبالفعل الذي يجب اتباع الرسول به يختلف باختلاف الفعل، فإذا كان الفعل مباحاً، فإن الاتباع فيه اتباع في المباح، أي في أن يخير بين فعله وتركه، ففي هذه الحالة هذا هو الاتباع، فإذا أوجب على نفسه فعله وجعله واجباً لا يكون متبعاً للرسول، بل يكون مخالفاً له، فالاتباع إنما يكون بالقيام به حسب ما جاء به الفعل، فإن جاء به واجباً كان القيام به واجباً، وإن جاء به مندوباً كان القيام به مندوباً، ولا يأثم إن تركه، وإن جاء به مباحاً كان القيام به مباحاً، فيتبعه بالفعل حسب ما جاء به الفعل، وإن خالف ذلك كان غير متبع. والأدلة السابقة كلها أدلة على الاتباع، لا على القيامبالفعل؛ ولذلكلاتصلحدليلاًعلىأنالقيامبالفعل الذي فعله الرسول واجب، فيسقط الاستدلال بها على الوجوب. وهذا نظير الأمر، فإن الأمر ليس للوجوب، فليس كل ما أمر الله به واجباً، وإنما يختلف باختلاف القرائن، فقد يكون ما أمر به واجباً، وقد يكون مندوباً، وقد يكون مباحاً، والواجب في الأمر إنما هو طاعة الأمر، وليس القيام بما أمر به، وطاعته إنما تكون حسب ما أمر به، فإن أمر به على سبيل الوجوب كان القيام به واجباً، وإن أمر به على سبيل الندب كان القيام به مندوباً، وإن أمر به على سبيل الإباحة كان القيام به مباحاً، وإيجاب المباح ليس طاعة للآمر، بل مخالفة لما أمر، وكذلك اتباع الرسول في أفعاله، إنما يكون حسب ما جاء به الفعل.

وهناك من يقول إن القيام بالفعل الذي فعله الرسول مندوب، ويسـتدلـون على ذلك بقوله تعالى: (( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)) فإن وصف الأسوة بالحسنة يدل على الرجحان، والوجوب منتف؛ لكونه خلاف الأصل، ولقوله: (( لَكُمْ)) ولم يقل: عليكم، فتعين الندب. والجواب على ذلك أن المراد بالتأسي به في فعله أن نوقع الفعل على الوجه الذي أوقعه هو صلى الله عليه وآله وسلم ، حتى أنه لو صلى واجباً وصلينا متنفلين أو بالعكس فإن ذلك لا يكون تأسياً به، فالتأسي هو القيام بالفعل على ما قام به، وهذا واجب وليس بمندوب، وقوله: ((حَسَنَةٌ))وصف للأسوة، أي تأس حسن، وليس هو دليل الندب. والتأسي واجب، وتدل الآية على أنه واجب، بدليل قوله لمن كان يرجو الله واليوم الآخر، فهو قال: (( أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ))فهو قرينة تدل على وجوب التأسي. غير أن التأسي هنا لا يفهم منه وجوب القيام بالفعل، وإنما وجوب الاتباع، وبما أن ما فعله لم يثبت كونه واجباً، أو مندوباً، أو مباحاً، إلا بالقرينة؛ فإن القيام به لا يكون واجباً إلا إذا ثبت بالقرينة أنه واجب؛ وعليه فإن الآية تدل على الاتباع، ولا تدل على القيام بالفعل، فلا دلالة فيها على أن القيام بالفعل مندوب.

2) وهناك من يقول إن القيام بالفعل الذي فعله الرسول مباح، وليس بواجب ولا مندوب، وقد استدلوا على ذلك بأن فعله لا يكون حراماً، ولا مكروهاً؛ لأن الأصل عدمه، ولأن الظاهر خلافه، فإن وقوع ذلك، أي المحرم والمكروه، من آحاد عدول المسلمين نادر، فكيف من أشرف المسلمين، وحينئذ فإما أن يكون واجباً، أو مندوباً، أو مباحاً. والأصل عدم الوجوب والندب؛ لأن رفع الحرج عن الفعل أو الترك ثابت، وزيادة الوجوب أو الندب لا تثبت إلا بدليل، ولم يتحقق، فتبقى الإباحة.

والجواب على ذلك أن فعل الرسول المجرد، لما لم يظهر فيه قصد التقرب من الله هو المباح؛ لأن كون الفعل ليس مما يتقرب به إلى الله قرينة على أنه ليس مما يطلب الإقتداء به، وكون الرسول فعله معناه أنه طلب فعله، فيكون الطلب طلب تخيير، وذلك هو المباح. وأما ما عداه، فإن القرينة عينت كونه واجباً أو مندوباً؛ وعليه فإن حصر أفعال الرسول بأنها إنما تدل على الوجوب، أو الندب، أو الإباحة، ولا تدل على الحرام، ولا على المكروه، صحيح، ولكن حصرها في الإباحة هو الغلط؛ لأن القرائن هي دليل الوجوب أو الندب، وقد تحققت فيما ظهر فيه قصد التقرب به إلى الله تعالى؛ ولذلك كان مندوباً، ولو تحققت قرينة تدل على الوجوب لكان واجباً.

الخلاصة

ومن هذا كله يتبين أن أفعال الرسول لا تدل على الوجوب، ولا على الندب، ولا على الإباحة، وإنما تدل على مجرد طلب الفعل، والقرينة هي التي تعين كونه واجباً، أو مندوباً، أو مباحاً. وهذا في الأفعال التي لم تأت بياناً لخطاب سابق، وأما الأفعال التي جاءت بياناً لخطاب سابق، فإنها تتبع المبين في الوجوب، أو الندب، أو الإباحة.

والأفعال التي فعلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم تكن بياناً لخطاب سابق، ولا قام الدليل على أنها من خواصه، وعلمت لنا صفته من الوجوب، أو الندب، أو الإباحة، إما بنصه صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك وتعريفه لنا، أو بغير ذلك من الأدلة، أي بقرينة من القرائن، فإن التأسي به واجب، أي أن اتباعه في هذا الفعل فرض، والدليل على ذلك النص وإجماع الصحابة. أما النص فقوله تعالى: (( فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا)) ولولا أنه متأسى به في فعله ومتبعاً لما كان للآية معنى. وأيضاً قوله تعالى:(( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)) ووجه الاستدلال به أنه جعل المتابعة له لازمة من محبة الله الواجبة؛ فلو لم تكن المتابعة له لازمة للزم من عدمها عدم المحبة الواجبة، وذلك حرام بالإجماع. أي أن اتباع الرسول شرط في ثبوت محبة الله، فإذا لم يحصل الشرط وهو الاتباع،لم يحصل المشروط وهو محبة الله، وبما أن محبة الله فرض فإن اتباعه يكون فرضاً. وأيضاً قوله تعالى: (( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ)) ووجه الاحتجاج به أنه جعل التأسي بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم من لوازم رجاء الله تعالى واليوم الآخر، ويلزم من عدم التأسي عدم الملزوم، وهو الرجاء لله واليوم الآخر، وذلك كفر. فكان ذلك قرينة دالة على وجوب التأسي.

وأما إجماع الصحابة فهو أن الصحابة كانوا مجمعين على الرجوع إلى أفعاله، كرجوعهم إلى تقبيله عليه الصلاة والسلام الحجر الأسود، وجواز تقبيله وهو صائم، إلى غير ذلك من الوقائع التي لا تحصى.

متى يكون التأسي بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم

 

فهذه الأدلة كلها كافية للدلالة على وجوب التأسي؛ ولهذا فإن التأسي واجب. والتأسي هنا هو الإتيان بمثل فعله صلى الله عليه وآله وسلم . فإن التأسي في الفعل هو أن تفعل مثل فعله، على وجهه، من أجل فعله. فكلمة مثل فعله قيد؛ لأنه لا تأسي مع اختلاف صورة الفعل. وكلمة على وجهه قيد ثان، فإن معناه المشاركة في غرض ذلك الفعل ونيته؛ لأنه لا تأسي مع اختلاف الفعلين، في كون أحدهما واجباً، والآخر ليس بواجب، وإن اتحدت الصورة. وكلمة من أجل فعله قيد ثالث؛ لأنه لو اتفق فعل شخصين في الصورة والصفة، ولم يكن أحدهما من أجل الآخر، كاتفاق جماعة في صلاة الظهر مثلاً، أو صوم رمضان اتباعاً لأمر الله تعالى، فإنه لا يقال يتأسى البعض بالبعض. وعلى هذا لو وقع فعله في مكان أو زمان مخصوص، فلا مدخل له في المتابعة والتأسي، وسواء تكرر أم لم يتكرر، إلا أن يدل الدليل على اختصاص العبادة بذلك المكان أو الزمان، كاختصاص الحج بعرفات، واختصاص الصلاة بأوقاتها، واختصاص صوم رمضان. هذا هو التأسي. ومن هنا لو أن الرسول فعل فعلاً على أنه مندوب، وفعلناه نحن على أنه واجب، لم يكن فعلنا تأسياً، بل كان مخالفة لأمر الرسول فكان حراماً، فالتأسي هو أن نفعل مثل فعله صلى الله عليه وآله وسلم على وجهه، من أجل فعله. فلا بد من تحقق هذه القيود الثلاثة في الفعل حتى يكون تأسياً.

 التأسي في فعل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو أن تفعل مثل فعله صلى الله عليه وآله وسلم ، على وجه الفعل من حيث الحكم، من أجل فعله صلى الله عليه وآله وسلم.