طباعة
المجموعة: السياسة الخارجية 181-191

دستور دولة الخلافة ... على منهاج النبوة ... خير دولة لخير أمة ... رحمة للعالمين، المادة 190: تمنع منعاً باتاً المعاهدات العسكرية، وما هو من جنسها، أو ملحق بها كالمعاهدات السياسية، واتفاقيات تأجير القواعد والمطارات. ويجوز عقد معاهدات حسن الجوار، والمعاهدات الاقتصادية، والتجارية، والمالية، والثقافية، ومعاهدات الهدنة.

تعريف المعاهدات هو أنها اتفاقات تعقدها الدول فيما بينها بغرض تنظيم علاقة معينة وتحديد القواعد والشروط التي تخضع لها هذه العلاقة. ويسميها فقهاء المسلمين الموادعات، والدليل على جواز عقد المعاهدات بين المسـلمين والكـفار قوله تعالى: {إلا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ } [النساء 90] وقوله: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِه}ِ [النساء 92] وقوله: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ}[الأنفال 72]، والميثاق في هذه الآيات هو المعاهدات وقد عقد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم معاهدات كثيرة مع الكفار. إلا أنه يشترط لصحة انعقاد المعاهدة أن يكون موضوع التعاقد قد أجازه الشرع، كأن تكون محددة المدة، بالإضافة لغيرها من الأحكام الشرعية ذات العلاقة. والمعاهدات أنواع منها المعاهدات غير السياسية ومنها المعاهدات السياسية.
أما المعاهدات غير السياسية فهي الاتفاقات التي تعين كيفية العلاقة بين الدولتين من حيث شأن خاص من شؤون كل واحدة منها كالعلاقات المالية والاقتصادية والتجارية والصناعية والثقافية وما شاكل ذلك. فهذه ينظر لها شرعاً حسب موضوعها، وتطبق عليها الأحكام الشرعية المتعلقة بموضوعها. ولذلك كانت المعاهدات الاقتصادية جائزة، لأنه تطبق فيها أحكام الأجير، وأحكام التجارة الخارجية، وكانت المعاهدات التجارية جائزة، لأنه تطبق فيها أحكام البيع، وأحكام التجارة الخارجية، وكانت المعاهدات المالية جائزة، لأنه تطبق فيها أحكام الصرف، وكانت المعاهدات الثقافية جائزة لأنه تطبق فيها أحكام التعلم والتعليم من حيث المادة العلمية، ومن حيث النتائج الحتمية أو الظنية التي تنتج عن تعلمها وتعليمها.
وأما المعاهدات السياسية فهي ثلاثة أقسام:
منها معاهدات سياسية جائزة وهي المعاهدات التي لا تؤثر في كيان الدولة، ولا تنقص من سلطانها الداخلي أو الخارجي، ولا تجعل للكافر سلطاناً عليها. وذلك مثل معاهدات الصلح، ومعاهدات الهدنة، فإن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عقد الهدنة والصلح مع قريش في صلح الحديبية، ومثل معاهدات عدم الاعتداء، فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم عقد معاهدة عدم اعتداء مع بني ضمرة وبني مدلج، وكذلك معاهدات حسن الجوار جائزة لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عقد معاهدة حسن جوار مع اليهود، وهكذا.
ومنها معاهدات جائزة اضطراراً في حالة وجود الدولة في حالة ضيق وشدة، كالمعاهدة مع دولة لأخذ جزية منها وإبقائها تحكم بنظام الكفر، أو في حالة تجمع الأعداء لحربنا كالمعاهدة مع دولة لإعطائها مالاً مقابل إخراجها من حلف الأعداء المحاربين لنا.
ومنها معاهدات ممنوعة مثل معاهدة الحماية، ومعاهدة الحياد الدائم، ومعاهدة تحديد الحدود الدائمة، ومعاهدة تأجير المطارات، والقواعد العسكرية وما شاكل ذلك، فهذه المعاهدات غير جائزة، لأن موضوعها غير جائز، لأن الحماية تجعل للكافر سلطاناً على المسلمين، وتجعل المسلمين يأمنون بأمان الكفر. والحياد الدائم غير جائز، لأنه ينقص من سلطان المسلمين، وتحديد الحدود الدائمة غير جائز، لأنه يعني عدم حمل الدعوة وإيقاف حكم الجهاد، وتأجير المطارات غير جائز، لأنه يجعل للكفار سلطاناً على دار الإسلام، وكذلك القواعد العسكرية.
وأما المعاهدات العسكرية فحرام لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا تَسْتَضِيئُوا بِنَارِ الْمُشْرِكِينَ» رواه أحمد والنسائي، ونار القوم كناية عن كيانهم في الحرب، ولقوله عليه الصلاة والسلام: «فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ». رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها، وعند أبي داود وابن ماجة عنها رضي الله عنها: « إِنَّا لا نَسْتَعِينُ بِمُشْرِكٍ»، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: « لاَ نَسْتَعِينُ بِالْكُفَّارِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ» رواه ابن أبي شيبة عن سعيد بن المنذر.
وأما ما رواه أحمد وأبو داود عن ذي مخمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: « تُصَالِحُونَ الرُّومَ صُلْحًا آمِنًا، وَتَغْزُونَ أَنْتُمْ وَهُمْ عَدُوًّا مِنْ وَرَائِهِمْ» فإنه يحمل قوله: « تَغْزُونَ أَنْتُمْ وَهُمْ عَدُوًّا مِنْ وَرَائِهِمْ» على أفراد الروم، لا على دولتهم، وذلك لأنه قال: « تُصَالِحُونَ الرُّومَ صُلْحًا آمِنًا، وَتَغْزُونَ» والصلح بين المسلمين والكفار إنما يكون عند قبولهم الجزية ودخولهم تحت حكم المسلمين، لأن الإسلام قد أمر المسلمين أن يخيِّروا الكفار الذين يحاربونهم بين ثلاث: الإسلام أو الجزية أو الحرب، فإذا حصل الصلح وهم كفار لا يكون إلا في حال دفع الجزية، ودخولهم تحت الراية الإسلامية. فقوله ستصالحونهم قرينة على أنهم تحت راية المسلمين فهم حينئذ أفراد، ويؤيد هذا واقع ما حصل مع الروم. فإن المسلمين حاربوهم وهزموهم واحتلوا بلادهم، وقد حارب الروم مع المسلمين أفراداً، ولكن دولة الروم لم تحارب مع الدولة الإسلامية عدواً من ورائهم، مما يؤكد أن المراد بالحديث هو الروم أفراداً، لا كدولة، ويجب حمله على هذا، جمعاً بين الأدلة، وإعمالاً لها، كما هو معروف في أصول الفقه من أن إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما، ولا يعمد إلى الترجيح إلا إذا تعذر الجمع. وبذلك يتبين أنه لا يوجد دليل يدل على جواز الاستعانة بالمشركين كدولة، بل الأدلة صريحة في عدم جواز ذلك مطلقاً.
وهذه هي أدلة المادة.