طباعة
المجموعة: مشروعية دولة الخلافة

مقال

هيمنة الاستعمار الغربي

إنّ مما لا تخطئه العين ولا يخفى على عاقل أنّ بلاد المسلمين قاطبة ترزح تحت الاستعمار الغربي بكافة أشكاله، الفكرية والسياسية والاقتصادية، وكذلك العسكري في بلاد عدة.

ففكر الغرب من ديمقراطية ورأسمالية وعلمانية وليبرالية هو المهيمن على أنظمة الحكم والتشريعات والقوانين في بلاد المسلمين، وعلى مناهج التعليم ووسائل الإعلام، وأنماط الحياة، وإذا ما استثنينا ما كان ضمن قدرة أفراد المسلمين على التحكم به كالأمور الشخصية وبعض العلاقات الاجتماعية والعبادات الروحية، فإنّ كافة مناحي الحياة في بلاد المسلمين يسيطر عليها فكر الغرب وثقافته.

وأما الحياة السياسية فيهيمن عليها الغرب بدرجات متفاوتة جعلت الأنظمة في العالم الإسلامي تترنح ما بين العمالة العمياء والتبعية المذلة والمحاباة المخزية، حتى انعدمت الاستقلالية السياسية لدى كل أنظمة الحكم في العالم الإسلامي، وأصبحت بلاد المسلمين مرتعا ومسرحا لقوى الاستعمار الغربي، يملكون فيها ما لا يملكه الحكام من قرار وسلطان.

وأما الحياة الاقتصادية، فهي رأسمالية تحارب الله في دينه وسلطانه، تنتظم بالقوانين والقيم الرأسمالية التي جعلت من حياة أتباعها جحيما لا يُطاق، مؤسسات ربوية، وأسواق أسهم وبورصة وهمية، وحيتان أكلت الأخضر واليابس.

وأما عسكريا، ففلسطين محتلة بمؤازرة قوى الكفر قاطبة، وأفغانستان والعراق وكشمير والشيشان والقرم وتترستان والقفقاس وتركستان الشرقية محتلة من قبل الغرب والشرق اللذان يعيثان فيها فسادا وإجراما.

الخلافة هي الطريق والطريقة
فعند التفكير في هذه الحال للبحث عن سبيل لتحرير المسلمين وبلادهم من الاستعمار بكافة أشكاله وصوره، لا يجد المرء إلا الخلافة سبيلا وحلاّ
.

فالخلافة مشروع نهضة متكامل، مشروع حضاري سياسي اقتصادي اجتماعي وعسكري، فهي تتضمن منهاج حياة وتعبر عن الشكل السياسي للحكم، والنظام الاقتصادي والحياة الاجتماعية وحمل الدعوة والجهاد، فلا يمكن أن يتصور حدوث نهضة لدى المسلمين بغير الإسلام الذي ستطبقه وتحمله دولة الخلافة، ولا يتصور أن يتحول المسلمون إلى قادة للعالم أصحاب سيادة وسلطان إلا بنظام الحكم في الإسلام، ولا يتصور أن تعود الحياة الاجتماعية والاقتصادية لتنتظم بأحكام الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إلا في ظل دولة الإسلام.

وأما عسكريا، فلا تحرير إلا بالحرب والقتال، ولا قتال حقيقيا إلا بالجيوش التي حبسها الحكام، ولا زوال للحكام إلا بدولة الخلافة، وأي حديث عن بلاد المسلمين المحتلة وعلى رأسها فلسطين خارج سياق الجهاد والتحرير هو تضليل وتآمر عليها.

لذلك فقد أدرك الغرب منذ أمد بعيد هذه الحقيقة، أدرك أنّ الإسلام والخلافة هما سبيل تحرر المسلمين ونهضتهم، وهما سبيل وحدة الأمة التي إن اتحدت فعلى الغرب وحضارته المهترئة الزوال. فالغرب رأى في الخلافة الخصم الحضاري القوي والعدو السياسي والعسكري العظيم، لذلك حشد قواه وأمواله، وجند جنوده وأتباعه من أجل التصدي لهذا المشروع.

سياسيون ومفكرون وأحزاب وإعلام، من أجل الصد عن مشروع الخلافة، وأكثر الطرق التي رأى الغرب فيها نجاعة في التصدي لهذا المشروع العظيم، هي الإلهاء، إلهاء كل حزب وكل قطر وكل بلد بقضايا فرعية وجزئية تصل إلى درجة حبات الفسيفساء، فهذا بلد يُشغل بالانتخابات الرئاسية وحكومات التوافق، وآخر يُشغل بتشريع الدستور والقوانين، وثالث يُشغل بملفات الفساد، ورابع بالأمراض والأوبئة المعدية، وخامس بالإرهاب والتكفيريين، وسادس بالحدود والجيران، وسابع بالمصالحة وإدارة الصراع، وثامن بالمجلس التأسيسي والمجلس الوطني، وتاسع وعاشر،... وهكذا دواليك. وهي قضايا مع اختلافها باختلاف البلاد إلا أنّها كلها تجتمع في قاسم مشترك أكبر وهو التفكير بالجزء دون الكل، والتفكير بالتفاصيل والفروع دون الأصول والأساسات.

ففي فلسطين مثلا، أُلهي الناس بكيفية إدارة الصراع أو إنهائه، ولم يعد لتحرير فلسطين مكان في أجندة الحركات والأحزاب والسلطة أو أبحاثهم، مع أنّ أصل القضية ولب المشكلة هو احتلال فلسطين، وحلها البديهي والوحيد هو تحريرها وهو لا يكون في ظل تخاذل الحكام وإنما بإقامة الخلافة التي تجيش الجيوش وتحرك الجحافل.

وهكذا في باقي قضايا المسلمين، في الأردن ومصر وتركيا وباكستان والعراق وأفغانستان، وكل بلاد المسلمين، انشغال وإشغال بالفروع والتفاصيل دون الربط بالحل الأصيل أو البحث فيه حتى.

ولقد تمكن الغرب من اتخاذ مفكرين وسياسيين وأحزاب ووسائل الإعلام أداة له، وتمكن من تجييشهم ضد الأمة والعاملين للتغيير، معتمدا على ما غرسه لدى هؤلاء من أنّ عروشهم وملكهم قائم ما دامت الحال على ما هي عليه الآن، وأن لا مكان لهم في حضن الأمة عندما تسترد عزتها وتقيم خلافتها، وأنّ الملك والجاه الذي صنعه لهم الغرب سيزول مع زوال سلطان الغرب وهيمنته من على بلاد المسلمين، لذلك هم مستميتون في التآمر على مشروع الخلافة.

وفي المقابل فإنّ هناك حملة دعوة مستميتين في العمل للخلافة، وعبر القارات الخمس، في عمل دؤوب ومتواصل من أجل حمل الأمة وأهل القوة على المضي قدما في مشروع الخلافة، يقدمون في سبيل ذلك المهج والأرواح من أجل بلوغ المرام، لا يضرهم من خالفهم ولا يفت في عضدهم من خذلهم، وحالهم في ذلك (﴿كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا.(

فعلينا أن نغذ الخطا ونأتي الممكنات ولو كانت من الصعاب الصعاب، جادين مستيقنين النصر لاجتثاث المرض من أصله فضلا عن تذليل العقبات المصطنعة لرفع راية الخلافة ليس فقط كمشروع نهضة وتحرير فقط، بل وحقيقة، راية دولة الخلافة على منهاج النبوة، الدولة الأولى في العالم، دولة خير أمة أخرجت للناس، تحمل رسالة الإسلام، رحمة الله للعالمين، فدولة الخلافة تخرج أمة الإسلام والعالم معها من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الرأسمالية بكل مظاهرها إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا، إلى سعة الدنيا والآخرة.

على أن يكون الجهد جملة وتفصيلاً قائما على ثقة بنصر الله وحفظه لدعوته وللعاملين لها. ولا نرجو في ذلك كله إلا رضا الله ومغفرته، وحسن القبول . (﴿وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ)