طباعة
المجموعة: النفسية الإسلامية

 ويتعلق بمسألة الكذب أمران:

  1. التورية والمعاريض: والمعنى أن تطلق لفظاً هو ظاهر في معنى وتريد به معنى آخر يتناوله لكنه بخلاف الظاهر، أو أن تطلق لفظاً يحتمل معنيين: أحدهما قريب والآخر بعيد، وتنوي البعيد ويفهم السامع المعنى القريب المتبادر إلى الذهن أولاً وذلك كما في حديث أنس عند البخاري قال: «مات ابن لأبي طلحة، فقال: كيف الغلام؟ قالت أم سليم: هدأت نفسه، وأرجو أن يكون قد استراح، وظن أنها صادقة». وكما في حديث ابن عباس عند ابن حبان في صحيحه قال: «لما نزلت تبت يدا أبي لهب جاءت امرأة أبي لهب، إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعه أبو بكر، فلما رآها أبو بكر قال يا رسول الله إنها امرأة بذيئة، وأخاف أن تؤذيك، فلو قمت، قال إنها لن تراني، فجاءت، فقالت: يا أبا بكر إن صاحبك هجاني، قال: لا، وما يقول الشعر، قالت أنت عندي مصدق وانصرفت. فقلت: يا رسول الله، لم ترك؟ قال: لا، لم يزل ملك يسترني عنها بجناحه». وكما في حديث أنس عند أحمد والترمذي في الشمائل، والبغوي في شرح السنة، وصححه ابن حجر في الإصابة، قال: «إن رجلاً من أهل البادية كان اسمه زاهراً، كان يهدي للنبي صلى الله عليه وآله وسلم الهدية من البادية، فيجهزه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أراد أن يخرج، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : إن زاهراً باديتنا ونحن حاضروه، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحبه، وكان رجلاً دميماً فأتاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوماً، وهو يبيع متاعه، فاحتضنه من خلفه، وهو لا يبصره، فقال الرجل: أرسلني، من هذا؟ فالتفت، فعرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فجعل لا يألو ما ألصق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين عرفه، وجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول من يشتري العبد؟ فقال: يا رسول الله إذن والله تجدني كاسداً، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : لكن عند الله لست بكاسد، أو قال: لكن عند الله أنت غال». والمعاريض جائزة روى البخاري في الأدب المفرد بإسناد صحيح عن عمران بن حصين، وروى البيهقي عن عمر بن الخطاب بإسناد صحيح أيضاً أنهما رضي الله عنهما قالا: «إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب» ولم يرفعاه.
  2. ما يجوز من الكذب: ويجوز في الحرب، والإصلاح بين الناس، وبين الزوجين، لحديث أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها عند مسلم، قالت: «ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث: تعني الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها». وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الحرب خدعة» متفق عليه. وعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَقُولُ: «أَيُّهَا النَّاسُ مَا يَحْمِلُكُمْ عَلَى أَنْ تَتَابَعُوا فِي الْكَذِبِ كَمَا يَتَتَابَعُ الْفَرَاشُ فِي النَّارِ كُلُّ الْكَذِبِ يُكْتَبُ عَلَى ابْنِ آدَمَ إِلاّ ثَلاثَ خِصَالٍ رَجُلٌ كَذَبَ عَلَى امْرَأَتِهِ لِيُرْضِيَهَا أَوْ رَجُلٌ كَذَبَ فِي خَدِيعَةِ حَرْبٍ أَوْ رَجُلٌ كَذَبَ بَيْنَ امْرَأَيْنِ مُسْلِمَيْنِ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمَا» رواه أحمد. وقال ابن حجر في الفتح: (واتفقوا على أن المراد بالكذب في حق المرأة والرجل، إنما هو فيما لا يسقط حقاً عليه أو عليها، أو أخذ ما ليس له ولها) وقال النووي في شرح مسلم: (وأما كذبه لزوجته، وكذبها له، فالمراد به في إظهار الود والوعد بما لا يلزم ونحو ذلك، فأما المخادعة في منع ما عليه أو عليها، أو أخذ ما ليس له ولها، فهو حرام بإجماع المسلمين). ومثال ما عليه النفقة الواجبة، فيقول لم أجده في السوق، ومثال ما عليها أن يدعوها للفراش فتقول إني حائض، ومثال أخذ ما ليس له أخذه من مالها وينكر أنه أخذه، ومثال أخذها ما ليس لها أخذها من ماله وتنكر أنها أخذته، وهذا فيما هو زائد عن نفقتها وأولادها بالمعروف.

إن وجدت خيرا فانشره، فالدال على الخير كفاعله، دولة الخلافة، - نصر نت - nusr.net