الذلة على المؤمنين واجبة وكذلك العـزة على الكافرين لقوله تعالى:{ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِى ٱللَّهُ بِقَوْمٍۢ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُۥٓ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ يُجَـٰهِدُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَآئِمٍۢ  ذَ‌ٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ ۚ وَٱللَّهُ وَ‌ٰسِعٌ عَلِيم}والذلة هنا تعني الرأفة والرحمة واللين، وليست من الذل الذي هو الهوان، والعزة تعني الشدة والغلظة والمعاداة والمغالبة، يقال عزّه أي غلبه، والأرض العزاز الأرض الصلبة.

محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم  / رجال دولة الخلافةولقوله سبحانه: { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ  وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ؛  تَرَىٰهُمْ رُكَّعًۭا سُجَّدًۭا يَبْتَغُونَ فَضْلًۭا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَ‌ٰنًۭا  سِيمَاهُمْ فِى وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ؛ ذَ‌ٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِى ٱلتَّوْرَىٰةِ ؛ وَمَثَلُهُمْ فِى ٱلْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْـَٔهُۥ فَـَٔازَرَهُۥ فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ  وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةًۭ وَأَجْرًا عَظِيمًا }، وأيضاً فإن الله سبحانه أمر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بأن يخفض جناحه للمؤمنين قال تعالى: { وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } وفي آية أخرى قال: { وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }أي ألن جانبك لهم وارفق بهم، ونهاه عن الغلظة فقال عز من قائل: { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ؛ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لَٱنفَضُّوا۟ مِنْ حَوْلِكَ ؛ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى ٱلْأَمْرِ ؛ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ ؛ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَوَكِّلِينَ }.

 وفي الوقت الذي يأمره بالرحمة واللين وينهاه عن الغلظة مع المؤمنين، يأمره بأن يكون غليظاً مع الكفار والمنافقين في قوله تعالى: { يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ جَـٰهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَـٰفِقِينَ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ ؛ وَمَأْوَىٰهُمْ جَهَنَّمُ ؛ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ  } وخطاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم خطاب لأمته ما لم يرد دليل التخصيص.

 فعلى المؤمن أن يرأف ويرحم ويلين ويخفض جناحه للمؤمنين، وأن يكون عزيزاً غليظاً معادياً مغالباً للكفار شديداً عليهم، قال تعالى: { يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ قَـٰتِلُوا۟ ٱلَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ ٱلْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا۟ فِيكُمْ غِلْظَةًۭ ؛ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ }.

وقد وردت السنة مصدقة لهذا، ففي حديث النعمان بن بشير المتفق عليه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :«مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى». وروى مسلم عن عياض بن حمار رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال» وفي حديث جرير بن عبد الله المتفق عليه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :«من لا يرحم لا يرحم» وحرمانه من الرحمة أي من رحمة الله قرينة على وجوب الرحمة للمؤمنين. ومن القرائن على وجوب التراحم بين المسلمين ما رواه ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة قال: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وآله وسلم وهو الصادق المصدوق يقول: «إن الرحمةلاتنـزع إلا من شقي»، وما رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول في بيتي هذا: «اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به».

  • فإن قيل إن طلب الرحمة ورد عاماً يشمل الناس جميعاً، مسلمهم وكافرهم ومنافقهم ومطيعهم وعاصيهم، وذلك في حديث جرير بن عبد الله الذي يرويه مسلم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :«لا يرحم الله من لا يرحم الناس» قيل صحيح إن لفظ الناس عام، ولكنه من العام الذي أريد به الخاص كقوله تعالى: { ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُوا۟ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَـٰنًا وَقَالُوا۟ حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ }.

ومما روي من رحمته صلى الله عليه وآله وسلم بالمؤمنين، ما رواه الشيخان عن عبد الله بن عمر قال: اشتكى سعد بن عبادة شكوى له، فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعوده مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود، فلما دخل عليه وجده في غشية، فقال: «أقد قضى؟» قالوا لا يا رسول الله، فبكى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فلما رأى القوم بكاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكوا، فقال: «ألا تسمعون؟ إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا -وأشار إلى لسانه- أو يرحم». وما رواه الترمذي، وقال حسن صحيح عن عائشة «أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبّل عثمان بن مظعون، وهو ميت، وهو يبكي، أو قال عيناه تذرفان». وما رواه مسلم عن أنس رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان لا يدخل على أحد من النساء إلا على أزواجه إلا أم سليم، فإنه كان يدخل عليها فقيل له في ذلك فقال:إني أرحمها، قتل أخوها معي». ومن لينه صلى الله عليه وآله وسلم للمؤمنين، ما رواه البخاري عن عبد الله بن عمر، قال: «حاصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أهل الطائف فلم يفتحها، فقال إنا قافلون غداً إن شاء الله، فقال المسلمون: نقفل ولم تفتح؟ قال: فاغدوا على القتال، فغدوا فأصابتهم جراحات قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنا قافلون غداً إن شاء الله، فكأن ذلك أعجبهم فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ». ومن رفقه صلى الله عليه وآله وسلم بالمؤمنين، ما رواه مسلم عن معاوية بن الحكم السلمي قال: «بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، إذ عطس رجل من القوم، فقلت يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمياه! ما شأنكم تنظرون إليّ؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلماً قبله وبعده أحسن تعليماً منه، فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني، قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن». ومنه حديث أنس عند البخاري قال: «كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي، فجذبه جذبة حتى رأيت صفح أو صفحة عنق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جذبه، فقال يا محمد أعطني من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء».

ومن صور رحمة الصحابة بعضهم ببعض، ما رواه مسلم عن ابن عباس قال: «... فلما أن أصيب عمر، دخل صهيب يبكي، يقول: وا أخاه وا صاحباه». وما رواه الترمذي وقال حسن صحيح، عن واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ، قال: قدم أنس بن مالك فأتيته، فقال: من أنت؟ فقلت أنا واقد بن سعد بن معاذ، قال فبكى وقال: إنك لشبيه بسعد. وما رواه مسلم عن أنس قال: قال أبو بكر رضي الله عنه ،بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،لعمر: انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يزورها، فلما انتهينا إليها بكت، فقالا لها: ما يبكيك؟ ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقالت: ما أبكي أن لا أكون أعلم أن ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء، فهيجتهما على البكاء فجعلا يبكيان معها. وما رواه مسلم من حديث طويل لعمر بن الخطاب، في فداء أسرى بدر، وفيه: «فلما كان من الغد جئت، فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبو بكر قاعدان يبكيان، قلت: يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك، فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاءً تباكيت لبكائكما ...»، وروى ابن عبد البر، في الاستيعاب عن جنادة بن أبي أمية، أن عبادة بن الصامت كان على قتال الاسكندرية، وكان منعهم من القتال فقاتلوا، فقال: أدرك الناس يا جنادة، فذهبت ثم رجعت إليه فقال: أقُتل أحد؟ فقلت لا، فقال: الحمد لله أن لم يُقْـتَل منهم أحدٌ عاصياً.

 وهنا لا بد من بيان الحد الفاصل بين التراحم واللين والرأفة بالمسلمين، وبين الشدة والحزم معهم، والذي يبدو أن الرحمة والرأفة واللين لا مكان لها في تطبيق حكم شرعي، ولا فيما فيه ضرر على المسلمين، ولا بد هنا من الشدة والحزم في تطبيق الأحكام، وفي منع الضرر عن المسلمين.

 وبيان ذلك فيما يتعلق بتطبيق حكم شرعي:

  • في حديث أبي هريرة السابق عند أحمد، كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «اضربوه» ثم يقول: «قولوا رحمك الله».
  • في الحديبية خالف رأيهم لأنه حكم شرعي والحديث معروف، ولم ينـزل عند رأيهم رحمة بهم حتى لا يوقعهم في الحرج، أي بحجة رحمتهم واللين لهم والرأفة بهم كمخالفين لأمره.
  • في حديث عائشة المتفق عليه قالت: «إن قريشاً أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،فقالوا: من يجترئ عليه إلا أسامة حب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،فكلمه أسامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أتشفع في حد من حدود الله ثم قام فاختطب فقال: أيها الناس إنما هلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها»فلم يلن لقريش ولم يرحم المخزومية بمنع الحد وأنكر على أسامة شفاعته.
  • لو كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم راحماً أحداً في تطبيق حكم شرعي لرحم الحسن عندما أخذ تمرة من تمر الصدقة، ففي حديث أبي هريرة المتفق عليه قال: «أخذ الحسن بن علي تمرة من تمر الصدقة، فجعلها في فيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :كخ كخ، إرم بها، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة؟!».
  • أما حزمه صلى الله عليه وآله وسلم في دفع الضرر فواضح في حديث معاذ عند مسلم في غزوة تبوك قال: «ثم قال -يعني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم -: إنكم ستأتون غداً إن شاء الله عين تبوك، وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار، فمن جاءها منكم فلا يمسّ من مائها شيئاً حتى آتي، فجئناها وقد سبقنا إليها رجلان، فتكون مثل الشراك تبض بشيء من ماء، قال: فسألهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :هل مسستما من مائها شيئاً؟ قالا نعم فسبهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،وقال لهما ما شاء الله أن يقول ...». وفي حديث محمد بن يحيى بن حبان، عند ابن اسحق، في قصة بني المصطلق، وما فعله المنافقون قال: «... فسار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالناس حتى أمسوا، وليلته حتى أصبحوا، وصدر يومه حتى اشتد الضحى، ثم نزل بالناس ليشغلهم عما كان من الحديث ...»، وحديث سعيد بن جبير عند ابن أبي حاتم الذي صححه ابن كثير «أنرسولالله صلى الله عليه وآله وسلم ارتحلقبلأنينـزلآخرالنهار ...».

 وأما حزم الصحابة، فأبرزه ما فعله أبو بكر رضي الله عنه في قتال المرتدين، وإنفاذ بعث أسامة مخالفاً المسلمين جميعاً، فنـزلوا عند رأيه ونفذوا أمره ثم حمدوه.

 فإذا استثنينا تطبيق الأحكام، ومنها دفع الضرر، لأمكن القول: إن الذين يُرحمون هم من يصاب بمصيبة كالموت أو المرض أو فقد عزيز، والجاهل يرحم ويلان له الجانب ويعلَّم ويصبر عليه، وفي تطبيق المباح يختار أيسر الأمرين ويرجح اللين على الشدة كفعله صلى الله عليه وآله وسلم في حصار الطائف مع الجيش، كما مر في حديث ابن عمر عند البخاري.

 بقي أن نذكر بعض الصور من شدة وغلظة وعزة المسلمين على الكفار:

 الأولى: في القتال:

حديث وحشي عند البخاري قال: فلما خرج الناس عام عينين، وعينين جبل بحيال أحد بينه وبينه واد، خرجت مع الناس إلى القتال، فلما أن اصطفوا للقتال، خرج سباع فقال: هل من مبارز؟ قال فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب، فقال: يا سباع، يا ابن أم أنمار، مقطعة البظور أتحادّ الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال ثم شد عليه فكان كأمس الذاهب ... .

ومبارزة كل من حمزة وعلي والبراء وخالد وعمرو بن معديكرب وعامر وظهير بن رافع وغيرهم موجودة في كتب السير والمغازي فليرجع إليها من شاء، لأن هذا المصنف ليس كتاب سيرة ولا قصص فتكفي الإشارة للوفاء بالغرض.

الثانية: في المفاوضات:

  • حديث المسور ومروان عند البخاري وفيه: «... والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعه السيف وعليه المغفر، فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضرب يده بنعل السيف، وقال له: أخر يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ...».
  • في الحديث السابق قال عروة: «فإني والله لأرى وجوهاً، وإني لأرى أوشاباً - وفي رواية أشواباً - من الناس خليقاً أن يفروا أو يدعوك ...»فرد عليه أبو بكر: «امصص بظر اللات، أنحن نفر عنه وندعه». وكان فعل المغيرة وقوله، وقول أبي بكر، على مرأى ومسمع منه صلى الله عليه وآله وسلم فسكت، وسكوته إقرار.
  • ذكر محمد بن الحسن الشيباني في السير الكبير، قال: وأقبل أسيد بن الحضير، وعيينة عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم مادّاً رجليه، فقال: يا عيينة الهجرس اقبض رجليك أتمد رجليك بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ والله لولا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأنفذن خصيتيك بالرمح، متى طمعت هذا منا؟.
  • وهناك مفاوضات منثورة في بطون الكتب، لثابت بن أقرم وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وقتيبة ومحمد بن مسلم والمأمون وغيرهم، كلها تنطق بالعزة والقدوة للعاملين.

الثالثة: في التعامل مع ناقضي العهد:

  • قال سبحانه: { إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَآبِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ 55 ٱلَّذِينَ عَـٰهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِى كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ 56 فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِى ٱلْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ 57 وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَٱنبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ  إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلْخَآئِنِينَ 58} (الأنفال).
  • حديث أبي هريرة عند مسلم في فتح مكة بعد أن نقضت قريش العهد وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يا معشر الأنصار، هل ترون أوباش قريش؟ قالوا نعم، قال انظروا إذا لقيتموهم غداً أن تحصدوهم حصداً، وأخفى بيده ووضع يمينهعلىشماله،وقالموعدكمالصفا،قال فما أشرف يومئذ لهم أحد إلا أناموه ...».
  • حديث ابن عمر المتفق عليه، قال: ثم حاربت النضير وقريظة فأجلى بني النضير وأقر قريظة ومن عليهم حتى حاربت قريظة، فقتل رجالهم وقسم نساءهم وأولادهم وأموالهم بين المسلمين، إلا بعضهم لحقوا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم فآمنهم وأسلموا، وأجلى يهود المدينة كلهم بني قينقاع، وهم رهط عبد الله بن سلام، ويهود بني حارثة، وكل يهود المدينة.