التوكل على الله سبحانه منبثق عن العقيدة الإسلامية، وهو حال المؤمن في كل شأنه، وهو سلّم العزة في الدنيا والفلاح في الآخرة. وتتعلق بالتوكل على الله سبحانه أربع مسائل :

  • الأولى:   متعلقة بالعقيدة وهي أن هناك خالقاً هو الله سبحانه يَعتمد عليه المسلم في جلب الخير أو دفع الضر، ومنكر هذا كافر.
  • الثانية:   يجب على العبد أن يتوكل على الله في شأنه كله، وهذا التوكل من أعمال القلب، وإن تلفظ به العبد دون تصديق من القلب فلا اعتبار له.
  • الثالثة:   إن أنكر العبد أدلة التوكل القطعية فقد كفر.
  • الرابعة:  التوكل غير الأخذ بالأسباب، وهما مسألتان مختلفتان، وأدلتهما مختلفة، وقد كان رسول الله يتوكل، ويأخذ بالأسباب، ويأمر صحابته بذلك، إما بآية أو حديث. فقد كان رسول الله  يُعِدُّ ما يستطيع من قوة، كتغوير آبار بدر، وحفر الخندق، واستعارة الأدرع من صفوان، وبث العيون، وقطع الماء عن خيبر، وتعمية الأخبار عن قريش عندما سار لفتح مكة، ودخل مكة مظاهراً بين درعين. وكان يتخذ حرساً قبل نزول قوله تعالى: يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ  وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُۥ  وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ  إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْكَـٰفِرِينَ  وغير هذا مما كان منه في المدينة بعد قيام الدولة، أما في مكة فإنه أذن لأصحابه بالهجرة إلى الحبشة، وقبل حماية عمه أبي طالب، وأقام في الشعب طيلة مدة المقاطعة، وليلة الهجرة أمر علياً أن ينام في فراشه، ونام في الغار ثلاث ليال، واستأجر رجلاً من بني الدئل هادياً خِرّيتاً، وكل هذا أخذ بالأسباب، وهو لا ينافي التوكل، ولا علاقة له به، والخلط بين المسألتين يجعل التوكل شكلياً لا أثر له.

 ومن أدلة وجوب التوكل:

قول الله :

  1. ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَـٰنًا وَقَالُوا حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ (آل عمران).
  2. وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱلْحَىِّ ٱلَّذِى لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِۦ ۚ وَكَفَىٰ بِهِۦ بِذُنُوبِ عِبَادِهِۦ خَبِيرًا (الفرقان).
  3. قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَاٰنَا  وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ (التوبة).
  4. فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ  وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لَٱنفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ  فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى ٱلْأَمْرِ  فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ  إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَوَكِّلِينَ (آل عمران).
  5. وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُۥٓ  إِنَّ ٱللَّهَ بَـٰلِغُ أَمْرِهِۦ  قَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَىْءٍ قَدْرًا  (الطلاق).
  6. وَلِلَّهِ غَيْبُ ٱلسَّمَـٰوَ‌ٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ ٱلْأَمْرُ كُلُّهُۥ فَٱعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ؛ وَمَا رَبُّكَ بِغَـٰفِلٍ عَمَّا تَعْمَلُون (هود).
  7.  فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِىَ ٱللَّهُ لَآ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ،  عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ، وَهُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ (التوبة).
  8. إِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـٰؤُلَآءِ دِينُهُمْ ، وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (الأنفال).

 

 

 والآيات التي توجب التوكل كثيرة. واما الأحاديث النبوية الشريفة:

  1. عن ابن عباس رضي الله عنهما، في حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، قال رسول الله :«هم الذين لا يرقون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون» متفق عليه.
  2. عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله ،إذا قام من الليل يتهجد قال: «... اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت ...» (متفق عليه).
  3. عن أبي بكر الصديق قال: نظرت إلى أقدام المشركين، ونحن في الغار، وهم على رؤوسنا، فقلت: يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال: «ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما» متفق عليه.
  4. عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي كان إذا خرج من بيته قال: «بسم الله توكلت على الله ... الحديث» الترمذي، وقال هذا حديث حسن صحيح، وقال النووي في الرياض حديث صحيح.
  5. عن أنس بن مالك قال أن النبي قال: «إذا خرج الرجل من بيته، فقال: بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له: حسبك، قد كفيت، وهديت، ووقيت، فيلقى الشيطان شيطاناً آخر، فيقول له: كيف لك برجل قد كفي ووقي وهدي» ابن حبان في صحيحه، وقال في المختارة أخرجه أبو داود والنسائي إسناده صحيح.
  6. عن عمر بن الخطاب أن رسول الله قال: «لو أنكم توكلتم على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدوا خماصاً وتروح بطانا» الحاكم وقال صحيح الإسناد، وابن حبان في صحيحه، وصححه المقدسي في المختارة.

 وأما الإخلاص في الطاعة فهو ترك الرياء، وهو من أعمال القلوب لا يعلمه إلا العبد وخالقه، وربما خفي واختلط أمره على العبد، حتى يدقق ويحاسب نفسه ويعاود التفكير ويسأل لماذا قام بالطاعة؟ أو لماذا هو متلبس بها؟ فإن وجد أنه إنما يقوم بها لله وحده فقد أخلص؛ وإن وجد أنه يقوم بها لغرض آخر فقد راءى، ومثل هذه النفسية تحتاج إلى علاج، ربما طالت مدته، فإذا وصل العبد إلى مرتبة يحب فيها كتمان حسناته كانت علامة على الإخلاص. قال القرطبي: (سئل الحسن عن الإخلاص والرياء فقال: من الإخلاص أن تحب أن تكتم حسناتك ولا تحب أن تكتم سيئاتك). قال أبو يوسف في كتاب الخراج حدثني مسعر عن سعد بن إبراهيم قال: (مروا على رجل يوم القادسية وقد قطعت يداه ورجلاه وهو يفحص وهو يقول: مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّۦنَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّـٰلِحِينَ ، وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقًا فقال له رجل من أنت يا عبد الله؟ قال امرؤ من الأنصار ولم يذكر اسمه.

والإخلاص واجب والأدلة على هذا متضافرة من الكتاب والسنة:

قال تعالى في سورة الزمر: إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقِّ فَٱعْبُدِ ٱللَّهَ مُخْلِصًۭا لَّهُ ٱلدِّينَ   أَلَا لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلْخَالِصُ،  قُلْ إِنِّى أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ ٱلدِّينَ ، قُلِ ٱللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُۥ دِينِى  ومن المعلوم أن خطاب الرسول خطاب لأمته.

         

أما الأدلة من السنة فمنها حديث:

  1. عبد الله بن مسعود عند الترمذي والشافعي في الرسالة عن النبي قال: «نضر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلغها، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه. ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم إخلاص العمل لله، ومناصحة أئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم، فإن الدعوة تحيط من ورائهم». وفي الباب عن زيد بن ثابت عند ابن ماجة. وابن حبان في صحيحه. وعن جبير بن مطعم عند ابن ماجة والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين. وعن أبي سعيد الخدري عند ابن حبان في صحيحه والبزار بإسناد حسن والحديث ذكره السيوطي في الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة.
  2. أبي بن كعب عند أحمد وقال في المختارة إسناده حسن قال: قال رسول الله :«بشر هذه الأمة بالسنا والرفعة والنصر والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب».
  3. أنس عند ابن ماجة والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين قال: قال رسول الله :«من فارق الدنيا على الإخلاص لله وحده لا شريك له، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، فارقها والله عنه راض».
  4. أبي أمامة الباهلي عند النسائي وأبي داود قال: «... فقال رسول الله :«... إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً، وابتغي به وجهه». قال المنذري إسناده جيد.