قال الله سبحانه وتعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ  إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَوقال السميع العليم: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ  أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ  فَلْيَسْتَجِيبُوا لِى وَلْيُؤْمِنُوا بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَوقال الغني الحميد: { وَٱذْكُر رَّبَّكَ فِى نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ ٱلْجَهْرِ مِنَ ٱلْقَوْلِ بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ ٱلْغَـٰفِلِينَ} وقال العفو الكريم: { وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَـٰحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلَّا ٱللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}

مشروعية الدعاء:

الدعاء عبادة بل هو مخ العبادة لقوله سبحانه: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ  إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (غافر60) فالله جعل الدعاء عبادة فقال سبحانه في الآية {عبادتي} بعد ذكر {ادعوني} وهذا على نحو قوله : «الدعاء مخ العبادة» أخرجه الترمذي من طريق النعمان بن بشير وقال حسن صحيح.

فالدعاء عبادة والله يحب عبده الذي يدعوه، فهو مندوب، ومن لم يدع الله يكون قد ترك خيرا كثيرا، فإن كان عدم دعاء الله سبحانه استكبارا كان صاحبها من جملة من قال الله فيهم { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} أذلاء صاغرين مهانين.

 

مقتضيات الدعاء:

إن الله سبحانه بين لنا أن ندعوه ونحن مستجيبون له سبحانه نلتزم شرعه ونقتدي برسوله { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ  أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ  فَلْيَسْتَجِيبُوا لِى وَلْيُؤْمِنُوا بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}. وكما قال : « أيها الناس ! إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا . وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين . فقال : { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم } . [ 23 / المؤمنون / الآية 51 ] وقال : { يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم } [ 2 / البقرة / الآية 172 ] . ثم ذكر الرجل يطيل السفر . أشعث أغبر . يمد يديه إلى السماء . يا رب ! يا رب ! ومطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغذي بالحرام . فأنى يستجاب لذلك ؟ » أخرجه مسلم.

تحري أوقات الاستجابة، وأفضل أوقات الدعاء، أثناء السجود، وفي جوف الليل، ودبر الصلوات المكتوبات، عن أبي هريرة عند مسلم أن رسول الله قال: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء»، وعن أبي أمامة عند الترمذي وقال حديث حسن قال: قيل لرسول الله : أي الدعاء أسمع؟ قال: «جوف الليل، ودبر الصلوات المكتوبات». كما أن الدعاء في شهر رمضان له أجر عظيم. أخرج الترمذي، وقال حديث حسن، أن رسول الله   قال: «ثَلاثَةٌ لا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ وَالإمام الْعَادِلُ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا اللَّهُ فَوْقَ الْغَمَامِ وَيَفْتَحُ لَهَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ وَعِزَّتِي لأَنصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ».

 

الدعاء قرين العمل

إن الدعاء -وهو عبادة- لا يعني أن نترك الأخذ بالأسباب. وسيرة رسول الله بيِّنة في ذلك. فالرسول يجهز الجيش في بدر ويرتب الجند كلا في موقعه، ويعدهم الإعداد الجيد للقتال، ثم يدخل رسول الله العريش يدعو الله النصر ويكثر في الدعاء حتى يقول له أبو بكر : «بعض هذا يكفيك يا رسول الله».

ثم إن الرسول لما أذن الله له بالهجرة من مكة إلى المدينة اتخذ كلّ ما يمكن أن يتخذه بشر من الأسباب التي تؤدي به إلى النجاة في نفس الوقت الذي يدعو الله فيه على كفار قريش أن يصرفهم الله عنه وينجيه من مكرهم ويوصله المدينة سالماً.

فبدل أن يتجه صلوات الله وسلامه عليه إلى الشمال حيث المدينة اتجه إلى الجنوب واختفى في غار ثور هو وأبو بكر ، ثم كان يستقبل الأخبار عن قريش وما تخطط وتدبر له من قِبل عبدالرحمن بن أبي بكر، ثم عندما يعود إلى مكة يجعل غلام أبي بكر يرجع بالغنم إلى مكة خلفه ليطمس أثر الغنم أثر ابن أبي بكر لتضليل كفار قريش، وبقي ثلاثة أيام إلى أن خفّ الطلب عليه فواصل السير إلى المدينة المنورة، وكلّ ذلك ورسول الله كان واثقا من وصوله إلى المدينة سالما فهو يجيب أبا بكر وقد خشي وصول كفار قريش إليهما عندما رآهم أمام الغار، فيقول للرسول : إن أحدهم لو نظر إلى موطن قدميه لرآنا، فيقول له الرسول : «ما ظنك باثنين الله ثالثهما» { إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِىَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِى ٱلْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَـٰحِبِهِۦ لَا تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا  فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُۥ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا ٱلسُّفْلَىٰ  وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِىَ ٱلْعُلْيَا  وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (التوبة 40).

ثم إنه يقول لسراقة وقد أوشك على اللحاق بالرسول وأبي بكر في هجرتهما ليدل عليهما ويمسك بهما نظير الجائزة التي وضعتها قريش لذلك، يقول له رسول الله : «بأن يرجع وله سوارا كسرى».

فرسول الله يأخذ بالأسباب لنقتدي به صلوات الله وسلامه عليه في الوقت الذي يدعو الله أن ينجيه من طلب كفار قريش له وأن يرد كيدهم في نحرهم، فهو يخرج من بيته ليلا ويجد الكفار يحيطون بالدار فيقذف في وجوههم التراب.

وهو مطمئن إلى استجابة الله له وصرفهم عنه، وهكذا تمّ فقد ضرب عليهم النوم وخرج الرسول .

فالدعاء لا يعني تعطيل الأخذ بالأسباب بل هو ملازم لها.

فمن أحب أن تقام الخلافة من جديد فعليه أن لا يكتفي بدعاء ربه لتحقيق ذلك بل يعمل مع العاملين لإيجادها ويدعو الله العون في ذلك والتعجيل بتحقيقها ويلح في الدعاء خالصا لله وهو يأخذ بالأسباب.

وهكذا في جميع الأعمال، يخلص المرء العمل لله والصدق مع رسول الله ويدعو ويلح في الدعاء والله سميع مجيب.

 

الاستجابة للدعاء

إن الله سبحانه يجيب دعوة الداعي إذا دعاه، ويجيب المضطر إذا دعاه قال تعالى: { وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ } (غافر 60) وقال سبحانه: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ  أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ  فَلْيَسْتَجِيبُوا لِى وَلْيُؤْمِنُوا بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}  وقال: { أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ ٱلْأَرْضِ  أَءِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ  قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ} (النمل 62).

غير أن الإجابة لها حقيقة شرعية بينها رسول الله : «ما من مسلم يدعو الله -عزّ وجلّ- بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال: إمّا أن يعجل الله له دعوته، وإمّا أن يدخرها له في الآخرة، وإمّا أن يصرف عنه من السوء مثلها. قالوا: إذن نكثر. قال: الله أكثر» أخرجه أحمد، والبخاري في الأدب المفرد.

«لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدعُ بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل. قيل: يا رسول الله، وما الاستعجال؟ قال: يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أرَ يستجاب لي فيتحسر عن ذلك ويدع الدعاء» أخرجه مسلم.

وهذا يعني أن إجابة الدعاء ليست بالضرورة تحقيقها في الدنيا، بل قد تكون كذلك أو يدخرها له في الآخرة وهناك الأجر العظيم والثواب الكبير، أو يصرف عنه من السوء مثلها.

فنحن ندعو الله سبحانه فإن كنا صادقين مخلصين طائعين نكون موقنين عندها بالإجابة بالمعنى الذي بينه رسول الله .

 

الذكر

وكذلك فقد أمرنا الله سبحانه بالذكر، قال تعالى: {فَٱذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ وَٱشْكُرُوا لِى وَلَا تَكْفُرُونِ} (البقرة) وقال: { وَٱذْكُر رَّبَّكَ فِى نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ ٱلْجَهْرِ مِنَ ٱلْقَوْلِ بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ ٱلْغَـٰفِلِينَ} (الأعراف) وقال:  { فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُوا فِى ٱلْأَرْضِ وَٱبْتَغُوا مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَٱذْكُرُوا ٱللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الجمعة) وقال: {يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا ٱذْكُرُوا ٱللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا؛ وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} (الأحزاب) وفي حديث أبي هريرة المتفق عليه قال: قال رسول الله :« يقول الله أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة»، وعن أبي هريرة عند مسلم قال: «كان رسول الله يسير في طريق مكة، فمر على جبل يقال له جمدان، فقال: سيروا، هذا جمدان سبق المفرِّدون، قالوا وما المفرِّدون يا رسول الله قال: الذاكرون الله كثيراً» وذكر القرافي في الذخيرة: وقال الحسن: الذكر ذكران ذكر اللسان، فذلك حسن، وأفضل منه ذكر الله عند أمره ونهيه. وباب الأذكار المأثورة واسع فليرجع إليها في مظانها.

 

الاستغفار

وأما الاستغفار فهو مندوب كذلك، قال تعالى: { وَٱلْمُسْتَغْفِرِينَ بِٱلْأَسْحَارِ}  (آل عمران). وقال:{ وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُۥ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ يَجِدِ ٱللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا} (النساء). وقال تعالى: { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ، وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}  (الأنفال). وقال: { وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَـٰحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلَّا ٱللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (آل عمران). وعن أبي هريرة عند مسلم قال: قال رسول الله :«والذي نفسي بيده، لو لم تذنبوا، لذهب الله تعالى بكم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله تعالى، فيغفر لهم». وعن أنس عند الترمذي بإسناد حسن قال: سمعت رسول الله يقول: «قال الله تعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة». وعن أبي سعيد الخدري عند أحمد والحاكم وصححه ووافقه الذهبي عن النبي قال: «قال إبليس: وعزتك، لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال: وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني». وعن عبد الله بن بسر عند ابن ماجة بإسناد صحيح قال: سمعت رسول الله يقول: «طوبى لمن وجد في صحيفته استغفار كثير». وعن أبي ذر من حديث طويل عند مسلم عن النبي فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: «... يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم ...».