القرآن الكريم هو كلام الله سبحانه، أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم بواسطة الوحي، جبريل عليه السلام، لفظاً ومعنى، المتعبد بتلاوته، المعجز، المنقول لنا نقلاً متواتراً  { لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } محفوظ بحفظ الله  { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }، تحيا به النفوس، وتطمئن به القلوب، ويُخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد. من قال به صدق، ومن عمل به فاز، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم.

 هو الزاد للمسلم وأيُّ زاد، وهو لحامل الدعوة آكد وآكد، تُعمر به القلوب، وتشتد به السواعد، ويصبح حامله كالجبال الراسيات، تهون عنده الدنيا في سبيل الله، يقول الحق ولا يخشى في الله لومة لائم. به يصبح الذي تحركه الريح لخفة وزنه، أثقل عند الله من جبل أحد، لأنه قارئ للقرآن، رطب به لسانه، شاهد به بنانه. هكذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يسيرون في الدنيا، كأنهم قرآن يتحرك، يتدبرون آياته ويتلونها حق تلاوتها، يعملون بها ويدعون لها، تهزهم آيات العذاب، وتشرح صدورهم آيات الرحمة، تفيض أعينهم من الدمع خشوعاً لإعجازه وعظمته، وتسليماً لأحكامه وحكمته، يتلقونه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فتستقر آياته في أعماق أعماق قلوبهم، لذلك عزُّوا وسادوا، وسعدوا وفازوا. فلما فارقهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أعلى علِّيين، استمروا يتعاهدون القرآن كما أوصاهم بذلك الرسول الأمين صلوات الله وسلامه عليه وآله وصحبه أجمعين. فكان حفظة القرآن في أول الصفوف أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر، وكان حامل القرآن الأول في كل خير، والأول في اقتحام كل صعب في سبيل الله.

إنه لحري بالمسلمين بعامة، وبحملة الدعوة بخاصة، أن يكون القرآن ربيع قلوبهم، وملازم دربهم، يقودهم إلى كل خير، ويرتفع بهم من شاهق إلى شاهق، يتعاهدونه آناء الليل وأطراف النهار، تلاوة وحفظاً وعملاً فيكونون بحق خير خلف لخير سلف.

وهذه آيات كريمة، تتلوها أحاديث شريفة في نزول القرآن، وفي حفظه، وفي الهدى به، والفضل في تلاوته والخير العميم فيه ومنه وحوله:

نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) } الشعراء (193- 194).

{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } الحجر (9).

{ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } فصلت (42).

{ إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9)} الإسراء.

{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16)} المائدة (15- 16).

{ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1)} إبراهيم .

{ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)} الرعد (28).

{ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)} النساء (82).

ويقول صلى الله عليه وآله وسلم: «خيركم من تعلَّم القرآن وعلَّمه» البخاري عن عثمان بن عفان رضي الله عنه.

«من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف» رواه الترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وهو حديث صحيح.

«الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن وهو يتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران» رواه مسلم عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها.

«إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب» رواه الترمذي وصححه وهو حديث صحيح.

«إقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لصاحبه» رواه مسلم من صحيحه عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه.

«القرآن شافع مشفع، وماحل مصدق، من جعله أمامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلفه ساقه إلى النار» رواه بن حبان في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. والبيهقي في شعب الإيمان عن جابر وعن ابن مسعود رضي الله عنهم وهو حديث صحيح.

«إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين» رواه مسلم.

وأخرج أبو داود والترمذي في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يقال لصاحب القرآن إقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منـزلتك عند آخر آية تقرؤها».

«إقرأوا القرآن واعملوا به ولا تجفوا عنه ولا تغلوا فيه ولا تأكلوا ولا تستكثروا به» رواه أحمد والطبراني وغيرهما عن عبد الرحمن بن شبل رضي الله عنه وهو حديث صحيح.

«مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجّة طعمها طيب وريحها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة طعمها طيب ولا ريح لها، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها» البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.

«تعاهدوا القرآن فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها» البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.

وبعد، فإن ما سبق آيات كريمة وأحاديث شريفة، تبين المنـزلة العظيمة للقرآن الكريم، والمنـزلة العظيمة لحامل القرآن العظيم، الذي يحمله ليتدبره ويعمل به، ويتعاهده في حله وترحاله فيكون طاقة هائلة في كل سبل الخير، لا أن يضعه على الرف حتى يعلوه الغبار، أو يزخرفه ويغلق عليه خزائنه حتى يطويه النسيان فيكون والعياذ بالله من الخاسرين، فتعاهدوا القرآن الكريم أيها الإخوة، وسارعوا إلى تلاوته حق تلاوته، وتدبروه حق تدبره، واعملوا به حق العمل، والتزموا به حق الالتزام، ليكون طعمكم طيباً، وريحكم طيباً، ومن ثَمَّ تكونون في الصفوف الأولى في حمل الدعوة في الدنيا، كما تكونون في الصفوف الأولى في الجنة في الآخرة عندما يقال: إقرأ وارتق، بذلك تكونون أهلاً للنصر العظيم والفوز الكبير، ورضوان من الله أكبر { وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} .