قال الله تعالى:يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ الله بأفْواهِهِمْ وَيَأْبىَ اللهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الكافِرُونَ ؛ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ. هذا القسم من موقع دولة الخلافة يلفت الانتباه إلى المصاب العظيم الذي أصاب المسلمين، ولكن ليس كسرد تاريخي أكاديمي، ولا للبكاء على المصاب الجلل، وإنما منذرين ومبشرين، ولشحذ الهمم فلا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، وقد أطل فجر  دولة الخلافة، فتستبشر الأمة وهي تعمل لبناء دولتها، لتستئانف الحياة الإسلامية في ظلها متستيقنة بوعد الله سبحانه وتعالى بالاستخلاف:وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَوببشرى رسول الله  بعودتها كما بدأت { ثم تكون خلافة على مناهج النبوة}... فيمكّن الله الدين بدولة الخلافة، ويحفظ حرمات الاسلام والمسلمين، ويبدلننا بعد الخوف والجور أمنا، فيخرج الناس من عبادة العباد إلى عباردة رب العباد، ومن جور الرأسمالية - ومسمياتها الديمقراطية والحريات والمدنية الخ- إلى عدل الإسلام،ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، فيدخل الناس في دين الله أفواجا، برحمة الله العزيز الرحيم. قراءة التفصيل


وقد بقي مصطفى كمال لا يقوم بأي عمل سوى بث الأفكار وجمع الأنصار حتى شهر أيار سنة 1919 حيث جاء دوره، وحيث بدأ الحلفاء يعملون بأسلوب آخر للوصول إلى غايتهم: فصل تركيا عن باقي أجزاء الدولة العثمانية، وهدم الخلافة، وإقامة جمهورية تركية، بعد أن أخفقت مساعيهم في الأزمات السياسية، وفي إيصال رجالهم إلى الحكم عن طريق الشرعية، وبشكل قانوني. وكانت الأعمال التي يقومون بها أعمالاً سياسية، وأعمالاً دولية، وأعمالاً ثورية.

إن الإنجليز أرادوا أن يوجدوا في الدولة العثمانية فراغاً سياسياً ليقوموا هم بملئه كما يشاؤون. ومن أجل الوصول إلى ذلك تركوا أمر سياسة البلاد ظاهرياً لأهلهاً ودفعوا عملاءهم للقيام بالأعمال السياسية، ووقفوا وراء الستار يوجدون في البلاد القلق وعدم الاستقرار السياسي، ليظهر العجز عن القيام بسياسة البلاد حتى يحصل الفراغ السياسي. وذلك أن الفراغ يعني عدم القدرة على العمل وعدم القدرة على الثبات، أي أن هناك قوة، ولكن هذه القوة لا تظهر بالمظهر اللائق بها وبالقدرة المناسبة لها.

ويبدو أن الإنجليز كانوا يأملون في إحداث التغيير الجذري في نظام الحكم بهدم الخلافة وإقامة الجمهورية بالطرق الشرعية القانونية، من غير حاجة إلى انقلاب عسكري أو ثورة مسلحة. ولذلك أخذوا يعملون بالأساليب السياسية البحتة. فإن الخليفة، بعد أن اعتزل عزت باشا الوزارة، عهد في تأليف الوزارة إلى توفيق باشا، وهو معروف أنه من رجال الإنجليز. إذ كان موظفاً في أيام حكم عبد الحميد، ثم أصبح فيما بعد سفيراً للدولة العثمانية في لندن، حيث استطاع أن يكسب عطف الإنجليز ورضاهم. ولكنه حين ألف هذه الوزارة كان شيخاً في الثمانين من عمره، فلم يكن أهلاً للقيام بالدور الذي يجب أن يقوم به. فلم يرتاحوا لتأليفه الوزارة.

وفي هذا الوقت كان أنور، وهو المسيطر على الدولة، يحاول لَمَّ شعث القوات المبعثرة الباقية التي نجت من المعارك الكثيرة، وإصدار الأوامر السريعة لهذه الفرق بالقدوم إلى العاصمة لمجابهة العدو، ولكن جميع من حوله كانوا يرون أن الساعة قد مرت، وأبى حتى الذين عضدوه من قبل، السير معه واتباع سياسته، فأرغم على الاستسلام وطلب الهدنة، فأجابه الحلفاء إلى ذلك، وعقد معاهدة الهدنة، ولم تبق إلا المفاوضات لعقد شروطها، وهكذا استسلمت الدولة العثمانية واحتلها الحلفاء.