قال الله تعالى:يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ الله بأفْواهِهِمْ وَيَأْبىَ اللهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الكافِرُونَ ؛ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ. هذا القسم من موقع دولة الخلافة يلفت الانتباه إلى المصاب العظيم الذي أصاب المسلمين، ولكن ليس كسرد تاريخي أكاديمي، ولا للبكاء على المصاب الجلل، وإنما منذرين ومبشرين، ولشحذ الهمم فلا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، وقد أطل فجر  دولة الخلافة، فتستبشر الأمة وهي تعمل لبناء دولتها، لتستئانف الحياة الإسلامية في ظلها متستيقنة بوعد الله سبحانه وتعالى بالاستخلاف:وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَوببشرى رسول الله  بعودتها كما بدأت { ثم تكون خلافة على مناهج النبوة}... فيمكّن الله الدين بدولة الخلافة، ويحفظ حرمات الاسلام والمسلمين، ويبدلننا بعد الخوف والجور أمنا، فيخرج الناس من عبادة العباد إلى عباردة رب العباد، ومن جور الرأسمالية - ومسمياتها الديمقراطية والحريات والمدنية الخ- إلى عدل الإسلام،ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، فيدخل الناس في دين الله أفواجا، برحمة الله العزيز الرحيم. قراءة التفصيل


ولما كان الدستور الذي فرضه مدحت بدعم أوروبي نظاماً ديمقراطياً، أي أحكام كفر، وهو كنظام ديمقراطي يناقض الإسلام، وهذه الأحكام نفسها تناقض الإسلام، وإذا طبقت فإن تطبيقها يعني إلغاء نظام الخلافة، وإقامة دولة كأي دولة أوروبية، كبلجيكا مثلاً التي استُوحي الدستور من دستورها. لذلك لم ينفذه الباب العالي، ووقف في وجهه عبد الحميد  الثاني والعلماء وكبار المسلمين، وصار الباب العالي يتهرب من تنفيذ الدستور، ومن تنفيذ مطالب الدول الكبرى.

مدحت باشا، والذي كان متشبعا بالأفكار الغربية وعاشقا لحضارتة الغرب، كان وزيراً للعدل في وزارة محمد رشدي باشا، أيام الخليفة عبد العزيز. فقام بمحاولة لإقناع عبد العزيز في وضع دستور للدولة من النظم الديمقراطية الغربية، فكتب له كتاباً يطلب فيه إصلاح الوضع في الدولة بوضع دستور لها، ومما قال في ذلك الكتاب بعد سرد ما عليه الدولة من الفساد:

كما سبق وبينا فقد أثمرت أساليب إثارة النعرة القومية، والنزعة الوطنية، في عاصمة الخلافة. ونجحت الدول الأوروبية، ولا سيما إنكلترا وفرنسا أعظم نجاح في ضرب دولة الخلافة هذه الضربة الفظيعة المدمرة. غير أن الدول الأوروبية لا سيما الإنجليز لم يكونوا مقتصرين على هذا الأسلوب على شدة خبثه وفظاعة نتائجه، بل كانوا يقومون منذ أواخر القرن السادس عشر كذلك بأسلوب آخر ضد الإسلام، لأن العداء الذي يغلي في نفوسهم والحقد الذي يأكل صدورهم إنما هو للإسلام، وضد أفكار الإسلام وأحكامه.

على أثر جعل جمعية الاتحاد والترقي تركيا بحتة وانفصل غير الاتراك عنها - كما سبق وبينا- نشطت سفارات الدول الأوروبية في الاتصال بالعرب وتأسيس الجمعيات والأحزاب. فأسسوا (حزب اللامركزية)، وجعلوا مركزه القاهرة، وجعل رئيسه رفيق العظم. وأسست (جمعية الإصلاح)، وكان مركزها بيروت. وأسس (المنتدى الأدبي)، وغير ذلك من الجمعيات.