طباعة
المجموعة: كيف هُدِمَت دولة الخلافة

 الاحتفال " بالاستقلال" حدث يتكرر في كل البلاد التي كانت مستعمرة في السابق ففي تونس يحتفلون في 20 من مارس وفي الجزائر في 5 من يوليو والمغرب في 18 من نوفمبر، والأردن في 22 مايو، ليبيا 24 ديسمبر، في سوريا 17 أبريل... وهكذا في كل العالم الإسلامي جعلوا لهم يوماً وطنياً يحتفلون فيه بمناسبة خروج المستعمر من البلاد.

نعم إن جيوش الاستعمار قد خرجت، وذلك بعد أن دفع الناس مهراً غالياً بلغ الملايين من القتلى فحق للناس أن يفرحوا بزوال هذا الكابوس الذي جثم على صدورهم عشرات السنين. أذاقهم فيها صنوف الذلّ والهوان والاستعباد والشقاء. وبخروجه كان من الطبيعي أن تزول آثاره وينعم الناس بالحياة، ولكن الناظر وخاصةً في البلاد الإسلامية يجد أن القتل ينتشر في معظم البلدان، سوريا، مصر، اليمن، لبنان، السودان... والقائمة تطول، فلا يوجد إحساس بالأمن.

أما في الاقتصاد فنجد الفقر والعوز هو المسيطر على حياة الناس، وذلك من ارتباط اقتصاديات تلك الحكومات بالنظام الرأسمالي العالمي، وفروعها لسياسات صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية، التي صنعت خصيصاً، لامتصاص خيرات البلاد.

أما في السياسة فلا تكاد ترى أي نوع من الاستقرار السياسي بل لا يوجد ولا بلد واحد في العالم الإسلامي به دستور دائم ينظم الحياة السياسية، فالسياسة الخارجية لهذه الدول تكاد تكون مكاتب لوزارات الخارجية لأمريكا والدول الأوروبية.

سؤال يفرض نفسه!

وباختصار فإن سائر الحياة في البلاد التي خرج منها الاستعمار وخاصة العالم الإسلامي فهي حياة شقاء وتعاسة، والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح لماذا لم تتغير حياة الناس للأفضل بعد خروج الاستعمار؟

إن الإجابة على هذا السؤال موجودة في المخطوطات التاريخية ومذكرات ورسائل الساسة والمفكرين الغربيين، الذين عاصروا عصر الاستعمار، فبالرجوع إليها نعرف الدافع الحقيقي للاستعمار وأن الدافع المادي هو نهب ثروات البلاد المستعمرة حقيقة لا ينكرها منكر ولكن ليست هي وحدها الدافع الحقيقي ونأخذ بعض النماذج يمكن الوصول للحقيقة.

يقول "جان بول رو" [الكاتب الفرنسي المولود في عام 1925م] "لقد اعتدنا أن نتحدث عن ثماني حملات صليبية امتدت منذ 1270م إلى 1960م... فقد قذف بملايين الأوروبيين إلى الشواطئ الشرقية ومهمتهم تغيير المعتقدات الشرقية، نعم إن الهدف هو تغيير المعتقدات الشرقية التي هي بطبيعة الحال إسلامية. وما دام هذا "لم يكن القضاء على الدولة العثمانية إلا مظهر من مظاهر الهجوم العام الذي يشنه الأوروبيون على الدولة الإسلامية من جزر الفلبين إلى قلب أفريقيا، فقد عمل الرجل الأبيض على بسط سيطرته على الرجل المسلم، وفرض عليه مفاهيمه في الوجود وطريقة معيشته، وتفكيره ومخططاته وتكتيكه". [الإسلام في الغرب 41-43، 56،66،70].

أما تقرير المستشار الأول للرئيس الأمريكي "جونسون 1964م" فقد نص على "... يجب أن ندرك أن تلك الخلافات بين إسرائيل والعرب لا تقوم بين دول أو شعوب بل تقوم بين حضارات، لقد كان الصراع بين المسيحية والإسلام محتدماً على الدوام، منذ القرون الوسطى بصورة أو بأخرى، منذ قرن ونصف خضع الإسلام لسيطرة الغرب والتراث الإسلامي للتراث المسيحي، وتركت هذه السيطرة أثرها البعيد في المجتمعات الإسلامية حتى بعد انتهاء أشكالها السياسية. بحيث جعلت المواطن العربي يواجه معضلات ومشكلات هائلة وخطيرة، في السياسة، والاقتصاد، والاجتماع، ولا يدري كيف يتعامل معها في علاقاته الداخلية والخارجية على السواء. لقد تحرر حقاً من سيطرة الغرب السياسية - أي العسكرية - ولكنه لم يستطع التحرير من سيطرة الغرب الحضارية..." [كتاب: عن معركة الإسلام - 184،183].

ونختتم ما اقتبسناه من مقولاتهم بخطاب رئيس الوزراء البريطاني "جلاديستون" وهو يخاطب البرلمان البريطاني شارحاً فيه السياسة الاستعمارية في البلاد الإسلامية "ما دام هذا القرآن موجوداً بين أيدي المسلمين فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق ولن تكون هي نفسها في أمان" [كتاب: قادة الغرب يقولون - 38].

وتنفيذاً لتلك السياسة فإننا نجد أول ما بادر الاستعمار لفعله بعد سيطرته العسكرية على البلاد الإسلامية هو إلغاء الشريعة الإسلامية وإبعادها من الحياة العامة؛ ففي الهند ألغيت الشريعة عام 1791م، وفي الجزائر 1838م، وفي تونس 1906م، وفي المغرب 1913م.

من هذه الأقوال والتصريحات والتقارير ومن تتبع أعمال الاستعمار في البلاد الإسلامية يمكن إدراك أن الاستعمار لم يكن عسكرياً فحسب بل كان سياسياً واقتصادياً وفكرياً وحضارياً. لذلك حينما تخلصنا من الجانب العسكري لم نذق طعم الاستقلال ولن تكتمل فرحتنا إلا إذا تخلصنا من جميع وجوهه، فتعود حياتنا إلى سيرتها الأولى حيث كانت الأمة الإسلامية أمة واحدة تؤمن بربها تحكّم كتابه، عزيزة بعزة هذا الدين، فننال خيري الدنيا والآخرة، حينئذٍ نفرح بنصر الله، ولمثل ذلك فليعمل العاملون.