دولة الإسلام -دولة الخلافة- كيف أقيمت وكيف تستأنف؟بعد أن اطمأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى الدعوة الإسلامية في الحجاز كله، أخذ يعمل لحمل الدعوة إلى خارج الحجاز؛ لأنّ الإسلام دين النّاس كافة، ولأنّ الرسول عليه السلام أرسل للعالم كله، قال تعالى في سورة الأنبياء: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) وقال تعالى في سورة سبأ: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً) وقال تعالى في سورة التوبة: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).

 

ولذلك كان على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن اطمأن على تركيز الدولة والدعوة، أن يبدأ بالاتصال الخارجي بإبلاغ دعوته مع السفراء.

 

والمراد بالاتصال الخارجي بالنسبة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم إنما هو الاتصال بمن يكونون خارج حدود حكمه من الكفّار، فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم حين كان سلطانه بالمدينة فقط كان الاتصال بقريش وغيرها ممن هو خارج المدينة وحدودها يعتبر اتصالاً خارجياً، وحين كان سلطان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الحجاز كله يعتبر اتصاله خارج الحجاز اتصالاً خارجياً، وحين كان سلطانه شاملاً جزيرة العرب كلها كان اتصاله بمن هو خارج الجزيرة كالفرس والروم مثلاً يعتبر اتصالاً خارجياً.

 

سياسة خارجية تسندها قوة داخلية

والرسول صلى الله عليه وآله وسلم بعد معاهدة الحديبية والقضاء على خيبر، صار الحجاز كله تحت سلطانه تقريباً، لأنّه لم يعد لقريش من القوة ما تستطيع به أن تقف في وجه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. فبعث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم رسله إلى الخارج، ولم يبدأ بإرسال هؤلاء السفراء إلا بعد أن اطمأن إلى تركيز السياسة الداخلية، وهيأ القوة الكافية لسند السياسة الخارجية، فإنه صلى الله عليه وآله وسلم بعد رجوعه من خيبر، خرج يوماً على أصحابه فقال: «أيها النّاس إن الله قد بعثني رحمة وكافة، فلا تختلفوا علي كما اختلف الحواريون على عيسى بن مريم» فقال أصحابه: وكيف اختلف الحواريون يا رسول الله. قال: «دعاهم إلى الذي دعوتكم إليه فأما من بعثه مبعثاً قريباً فرضي وسلم، وأما من بعثه مبعثاً بعيداً فكره وجهه وتثاقل» وذكر لهم أنه مرسل إلى هرقل، وكسرى، والمقوقس، والحارث الغساني ملك الحيرة، والحارث الحميري ملك اليمن، وإلى نجاشي الحبشة وإلى ملكي عمان وإلى ملكي اليمامة وإلى ملك البحرين، يدعوهم إلى الإسلام فأجابه أصحابه إلى ما أراد.

دولة رائدة

وصنع له خاتم من فضة نقش عليه«محمد رسول الله»، وبعث بكتبه مع الرسل يدعو هؤلاء إلى الإسلام، فقد دفع بكتاب هرقل إلى دحية بن خليفة الكلبي، وبكتاب كسرى إلى عبد الله بن حذافة السهمي، وبكتاب النجاشي إلى عمرو بن أمية الضمري، وبكتاب المقوقس إلى حاطب بن أبي بلتعة، وبكتاب ملكي عمان إلى عمرو بن العاص السهمي، وبكتاب ملكي اليمامة إلى سليط بن عمرو، وبكتاب ملك البحرين إلى العلاء بن الحضرمي، وبكتاب الحارث الغساني ملك تخوم الشام إلى شجاع بن وهب الأسدي، وبكتاب الحارث الحميري ملك اليمن إلى المهاجر بن أبي أمية المخزومي. وانطلق هؤلاء الرسل جميعاً كل إلى حيث أرسله النبي صلى الله عليه وآله وسلم، انطلقوا في وقت واحد، وبلغوا كتب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى من أرسلت إليهم، ثمّ رجعوا.

 

وما على الرسول إلا البلاغ المبين

وقد ردّ أكثر الذين أرسلت إليهم الكتب رداً رقيقاً فيه لين، ومنهم من ردّ رداً سيئاً. أما أمراء العرب فقد رد ملك اليمن وملك عمان على رسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم رداً سيئاً، ورد ملك البحرين رداً حسناً وأسلم، ورد ملك اليمامة مظهراً استعداده للإسلام إذا هو نصب حاكماً فلعنه النبي لمطامعه. وأما غير العرب فإن كسرى عاهل الفرس ما لبث حين تلي عليه كتاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يدعوه إلى الإسلام أن استشاط غضباً، وشق الكتاب، وكتب إلى باذان عامله على اليمن بأن يبعث إليه برأس هذا الرجل الذي بالحجاز، فلما بلغت النبي صلى الله عليه وآله وسلم مقالة كسرى، وما فعل بكتابه قال:«مزق الله ملكه»، ولما وصل كتاب كسرى إلى باذان عامله على اليمن بحث في الإسلام وأعلن إسلامه، وقد بقي عاملَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم على اليمن، وهو غير ملك اليمن الحارث الحميري، وأما المقوقس عظيم القبط فقد ردّ رداً جميلاً، وأرسل هدية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم. وأما النجاشي فكان رده جميلاً وقيل أنه أسلم. وأما هرقل فإنه لم يعبأ بهذا الداعي ولم يفكر في إرسال جيش ولم يقل شيئاً، ولما استأذنه الحارث الغساني في أن يقوم على رأس جيش لمعاقبة هذا المدعي النبوة لم يجبه إلى طلبه، ودعا الحارث إليه لبيت المقدس.

 

وكان من أثر هذه الكتب أن العرب قد بدأوا يدخلون في دين الله أفواجاً، ثمّ بدأت وفودهم تتتابع على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تعلن إسلامها. وأما غير العرب فقد بدأ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يهيئ القوة لجهادها.