طباعة
المجموعة: كيف أقيمت دولة الإسلام ؟| الطريقة الفريضة

 هذه نصيحة للحركات الإسلامية التي تتصور أنه يمكن إقامة حكم الإسلام من خلال إعلان قيام إمارة إسلامية على قطعة من الأرض، استطاعت الحركة أن تستولي عليها، فقد بينا أن هذا الأمر مخالف لطبيعة قيام الدول فضلا عن أنه مخالف لطريقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في إقامة الدولة. فلا بد من ضمان الأمن الخارجي والداخي وفضلا عن تحقيق السيادة للشرع.

ولذا فنحن هنا في هذه النقاط سنزيد أمر عدم جواز اعتماد الأعمال العسكرية طريقة لإقامة دولة الخلافة وضوحا فنقول:

 من رواية علي بن أبي طالب رضي الله عنه

1- في رواية لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يعرض نفسه على قبائل العرب خرج وأنا معه... إلى أن قال: ثم دفعنا إلى مجلس آخر، عليه السكينة والوقار

 النصرة الشرعية غير مشروطة ولا منقوصة

2- يتبين لنا من عرض هذه الرواية أنه كان من صفة النصرة التي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يطلبها لدعوته من زعماء القبائل، أن يكون أهل النصرة غيرمرتبطين بمعاهدات دولية، تتناقض مع الدعوة، ولا يستطيعون التحرر منها، وذلك لأن احتضانهم للدعوة والحالة هذه، يعرضها لخطر القضاء عليها من قبل الدول التي بينهم وبينها تلك المعاهدات، والتي تجد في الدعوة الإسلامية خطرًا عليها وتهديدًا لمصالحها. وأن الحماية المشروطة أو الجزئية لا تحقق الهدف المقصود، فلن يخوض بنو شيبان حربًا ضد كسرى لو أراد القبض على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتسليمه، ولن يخوضوا حربًا ضد كسرى لو أراد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مهاجمة كسرى، وبذلك فشلت المباحثات.

فهذه حقيقة مهمة يقررها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمن يريد أن يعمل على إقامة الدولة الإسلامية ويطلب النصرة من أهل القوة، وهي: (إن دين الله لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه)، لقد كان هذا الرد من النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المثنى بن حارثة حين عرض على النبي صلى الله عليه وآله وسلم حمايته من جهة مياه العرب دون مياه الفرس، فمن يسبر أغوار السياسة البعيدة، يرَ بُعد النظر الإسلامي النبوي الذي لا يسامى، فليفهم هذه الحقيقة ويضعها نصب عينيه كل من يفكر في إقامة إمارة إسلامية لا يمكن أن تحاط من جميع جوانبها.

 العبرة في الدولة الأمان الخارجي فضلا عن الداخلي

3- كانت هذه نصيحتنا لمن يظنون أنه يمكنهم أن يقيموا إمارة إسلامية لا يستطيعون حمايتها من الخارج، ولا نعني الحماية الداخلية مثل ملاحقة الخارجين على القانون واللصوص وقطاع الطرق، فهذا ليس بيت القصيد، بل العبرة بالحماية من الاعتداء الخارجي، فالإمارات الضعيفة أو حتى الموهومة التي أعلنتها بعض الحركات الإسلامية على قطعة من الأرض لا قوام لها، ولم تستمر طويلا حتى تم القضاء عليهم وعلى إمارتهم تلك كما حدث في مالي، وفي بعض مناطق اليمن، والمحاكم الإسلامية في الصومال، ومن قبل في أفغانستان على يد طالبان...، فهذه هي نصيحتنا لهؤلاء أن يقتفوا أثر الرسول الكريم في إقامته للدولة الإسلامية، إذ لابد من وجود قوة تستطيع أن تحمى الدولة الناشئة وتدفع عنها أى اعتداء من الدول المحيطة بها، أو التي تتربص بها وتريد القضاء عليها، ولذلك رفض الرسول صلى الله عليه وآله وسلم النصرة من بني شيبان، لأن هذا الأمر لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه.

 الطريقة الشرعية ملزمة مهما طالت أو قصرت

4- لقد ظهر فشل مثل هذا التوجه في الأمة وعدم قدرته على إقامة دولة إسلامية حقيقية تكون نواة لدولة قوية تطبق الإسلام في الداخل وتحمله للعالم بالدعوة والجهاد، فمعظم هذه الإمارات قد تم القضاء عليها في مهدها كالإمارة التي أقامها المجاهدون في شمال مالي، وكذلك بقية "الإمارات" لم تستمر طويلاً حتى تم القضاء عليها، كإمارة طالبان الإسلامية، والأمر لا يتوقف على فشل هذا التوجه من الناحية الواقعية، بل هو لا سند له من الشرع الكريم، بل الشرع يرفضه كما بينا عندما رفض الرسول النصرة من بني شيبان لعدم قدرتهم على حماية الدولة الناشئة من جميع جوانبها، ولارتباطهم بمعاهدات دولية تضر بالدولة الناشئة تلك.

5- مما لا شك فيه أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يستعمل السلاح في إقامته للدولة الإسلامية الأولى، ونحن اليوم يجب أن نلتزم ما التزمه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، فلا يجوز أن نتخذ العنف وسيلة للوصول للحكم، فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يرد على صحابته الذين يطلبون منه الإذن برد الاعتداء بقوله "لم نؤمر بعد"، وعندما قال له الأنصار في بيعة العقبة الثانية "إن شئت لنميلن على أهل منى بسيوفنا"، فقال لهم: "لا، لم نؤمر بعد"، وأثناء هجرته صلى الله عليه وآله وسلم للمدينة نزل قول الحق سبحانه وتعالى:(أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) [الحج:39]، مما يعني أنهم كانوا ممنوعين من حمل السلاح والقتال قبل الهجرة وقيام الدولة، وبالتالي لا تقام الدولة من خلال حمل السلاح والدخول في معارك مع السلطة الحاكمة لإزالتها وإقامة الدولة الإسلامية على أنقاضها. ولذلك فنحن نقول إن الظهور المسلح للحركات الإسلامية، وسعيها للقتال من أجل إقامة حكم الإسلام يعتبر انتحارا سياسيا يقضى على الحركة التي لا يمكن ولا بحال من الأحوال أن تمتلك القوة الكافية لمواجهة الدولة بعدتها وجيشها، أيا كانت هذه الدولة وأيا كانت قوتها، بل ويعيق قيام الدولة الإسلامية التي لها طريقة واحدة لقيامها بشكل صحيح، وهي العمل على توعية الناس على فرضية الخلافة والحكم بالإسلام، حتى تصبح الخلافة وحكم الإسلام مطلباً عاماً لهم لا يقبلون عنه بديلاً ويستعدون للتضحية بكل شيء من أجله، وهذا العمل الدعوي للتوعية هو فكري سياسي فحسب، لا تدخله الأعمال المادية، تماماً كما فعل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في إقامة الدولة الإسلامية الأولى في المدينة.

 تقوم الدولة بالصراع الفكري والكفاح السياسي وتقصد طلب النصرة الشرعية

6- إن هناك طريقًا واحدًا لا غير لإقامة حكم الإسلام، وهو الطريق الذي خطه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،

  1. وهذا يكون بالصراع الفكري وطرح أفكار الإسلام قويةً متحديةً لتَصْرَع أفكار الكفر، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وليس بالتمييع والمسايرة لها،
  2. ويكون أيضاً بالكفاح السياسي وكشف الخطط والمؤامرات على الإسلام والمسلمين، كما كان صلى الله عليه وآله وسلم يفعل، وليس بالمداهنة والمسايرة للطواغيت وعملاء الغرب الكافر في بلادنا من السياسيين والإعلاميين ومدعي الفكر،

فبهذا يوجد رأي عام للخلافة والشريعة، فينحاز أهل النصرة المخلصون في الجيش لها، فهو الذي يملك القوة بحق والذي يمكن أن يعطي النصرة كاملة غير منقوصة.