حين بعث رسول الله دعا زوجه خديجة فآمنت به، ثمّ دعا ابن عمه علياً فآمن به، ودعا مولاه زيداً فآمن به، ودعا صديقه أبا بكر فآمن به، ثمّ صار يدعو النّاس، فآمن به من آمن وكفر به من كفر.

ولما أسلم أبو بكر  أظهر إسلامه لمن وثق به، ودعا إلى الله وإلى رسوله. وكان أبو بكر رجلاً مَأْلَفاً لقومه محبباً سهلاً، وكان رجال قومه يأتون إليه ويألفونه لغير واحد من الأمر، لعلمه وتجارته وحسن مجالسته، فأسلم على يده عثمان بن عفان، والزبير بن العوّام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، وجاء بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استجابوا له فأسلموا وصلوا،  ثمّ أسلم أبو عبيدة واسمه عامر بن الجراح، وأبو سلمة واسمه عبد الله بن عبد الأسد، والأرقم بن أبي الأرقم، وعثمان بن مظعون، وغيرهم، ثمّ دخل النّاس في الإسلام أرسالاً من الرجال والنساء حتى فشا ذكر الإسلام بمكة وتحدث النّاس به.

وكان صلى الله عليه وسلم يطوف على النّاس في أول أمره في منازلهم ،  ويقول إن الله يأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وكان يدعو النّاس للإسلام في مكة جهراً امتثالاً لأمر الله، قال الله تعالى : يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ؛ قُمْ فَأَنذِرْ وكان يتصل بالناس يعرض عليهم دينه ويكتلهم حوله على أساس هذا الدين سراً، وكان أصحاب رسول الله  إذا صلوا ذهبوا في الشعاب واستخفوْا بصلاتهم من قومهم. وكان الرسول  يرسل لمن يدخل الإسلام جديداً من يعلمه القرآن ممن أسلموا من قبل وفقهوا في الدين،

فقد أرسل خَبّابَ بنَ الأَرَتّ يعلم زينب بنت الخطاب وزوجها سعيداً القرآن، وحين فاجأهم عمر بن الخطاب كانوا في بيت سعيد يقرئهم خباب القرآن، وأسلم عمر على يد هذه الحَلْقَة. ولم يكتف الرسول بذلك بل اتخذ له داراً يعلم فيها المسلمين الإسلام ويجعلها مركزاً لهذه الكتلة المؤمنة، ومدرسة لهذه الدعوة الجديدة، تلك الدار هي دار الأرقم بن أبي الأرقم، فقد كان يجمع فيها المسلمين يقرئهم القرآن، ويبينه لهم، ويأمرهم باستظهاره وفهمه، وكلما أسلم شخص ضمه إلى دار الأرقم. ومكث ثلاث سنين وهو يثقف هؤلاء المسلمين، ويصلى بهم ويتهجد ليلاً فيتهجدون، فيبعث فيهم الروحانية بالصلاة والتلاوة، ويثير فيهم الفكر بالتأمل في آيات الله والتدبر في مخلوقاته، ويثقف عقولهم بمعاني القرآن وألفاظه، ومفاهيم الإسلام وأفكاره، ويأخذهم بالصبر على الأذى، ويروضهم على الطاعة والانقياد، حتى خلصوا لله العلي القدير. وظل النبي مستخفياً هو والمسلمون في دار الأرقم بن أبي الأرقم حتى نزل قوله تعالى : فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ.